والعلاقات الإنسانية كانت وما تزال، ذات أثر بعيد المدى، في حياة النزعات الأدبية. فالأديب لا يعيش في الدنيا وحيداً. حتى ولو آثر العزلة، فجميع ما حوله ومن حوله، ذو أثر فعال في حياته واتجاهاته، وعواطفه وانفعالاته. ومن أوثق هذه العلاقات، العلاقات الإخوانية.
ونعني بالعلاقات الإخوانية، صلات الود ووشائج الصداقة بين الأنداد والنظراء. وهى من العوامل الدائمة المشتركة بين كل العصور الأدبية، ومن مسعرات نزعاتها، وحافزات روحها، وموجهاتها. وهى بتأثيرها في الناحية الأدبية، بحاجة إلى دراسة مستقلة خاصة مستفيضة، تتلمسها في كل عصورها، وتبرز آثارها في كل عصر منها، وتوازن بين آثارها في عصر وعصر، وتوازن بين آثارها وآثار غيرها من العوامل.
ولعل العلاقات الإخوانية أقوى أثراً في النزعات الأدبية، وأبعد توجيهاً لها في العصر المملوكي، بالقياس إلى غيرها من عوامل النهوض الأدبي فيه. ففي العصر المذكور قلت عوامل التشجيع وأسباب الحفز الأدبي، في جملتها، بالنسبة إلى ما سبقه من العصور. واتجه الكثير منها إلى الحركة العلمية البحتة، فجذب بضبعها ومد في بقائها، وهيأ لها أسباب الحياة والنمو. أما الحركة الأدبية فقد نالها منها صبابة يسيرة، وثمالة متوارية، لا تبعث نشوة ولا تهز عطفاً. لقد صوحت عوامل التشجيع الأدبي، ويبس عودها وذبل زهرها، وأصبحت لا تبهر عيناً. فلا نوق هرم، أو عصافير بنى جفنة، ولا دنانير هشام أو بدر الرشيد، ولا مجالس المأمون أو محافل المتوكل، ولا أريحية بني حمدان أو ذهب العبيديين، بمغرية جنان شاعر، أو مجرية لسان ناثر في هذا العصر.
وككل كائن حي، أخذت النزعات الأدبية فيه، تتلمس لنفسها أسباباً أخرى من أسباب البقاء. فصادفتها العلاقات الإخوانية، فاتخذت منها إلى الحياة سبباً، وإلى البقاء وسيلة. وتشبثت بها أو اصطنعتها أداة لمعالجة عملها وإبراز فنها. والفن هنا قد تنقصه الدقة ويخطئه العمق، ولكن لا تنقصه الصراحة ولا يجافيه الصدق. إذ هو نتيجة علاقات قلبية، ورجع مودات نفسية، لا حاجة بها إلى الزيف والتلفيق.
وقد ظللت الكثيرين من أدباء العصر المملوكي رايات المودة والصحبة الحسنة، فعاشوا