إخواناً متحابين في الأدب، يسعد أحدهم الآخر كما يسعد الغريب الغريب. وقد نوهنا في بعض مقالاتنا السابقة بشيء من هذه العلاقات، وآثارها، كعلاقات السبعة الشهب. وصحبة الجزار والوراق.
وقد روى صاحب فوات الوفيات أن الأديب كمال الدين بن العديم كان إذا قدم مصر يلازمه أبو الحسين الجزار. حتى كانت هذه الملازمة مثاراً لتندر بعض أهل العصر عليهما، فقال، وفيه تورية:
يا ابن العديم عدمت كل فضيلة ... وغدوت تحمل راية الأدبار
ما إن رأيت ولا سمعت بمثلها ... نفس تلذ بصحبة الجزار
وبهذه الصحبة فتح الأدباء مغالق أبواب أدبية واسعة، ما بين منثور ومنظوم. وأكثر الشعراء من التهاني والتعازي، والتشوق والحنين، والمعاتبة. وتقارضوا الثناء، وأفاضوا في المعارضات والمطارحات والمساءلات، وجدوا في المماجنة والمفاكهة والملاغزة والمحاجاة، ونهضوا للإجازة والاستدعاء، إلى غير ذلك.
والحق أن الشعر - بخاصة - قد ظنت به حينذاك الظنون، وأرجف الناس من حوله. حتى إن بعض أهله أوجس خيفة، فنعوا عليه، وندبوا أنفسهم، وشكوا كساده، وفضلوا عليه الحرف الدنيا. وهذا أبو الحسين الجزار المصري الشاعر، يقول - وقد هجر الشعر والتكسب به، واحترف الجزارة:
كيف لا أشكر الجزارة ماع ... شت حفاظاً وأرفض الآدابا
وبها صارت الكلاب ترجيـ ... ني وبالشعر كنت أرجو الكلابا
ولعل أبلغ رد عليه، وهو رد يؤيدنا في أن الشعر ربح في هذا العصر حياة فيها صراحة وصدق، قول ابن الوردي:
قالوا لقد كسد القريض فقلت بل ... عاشت ضراغمه ومات ضباعه
الآن طاب سماعه وتقطعت ... أطماعه وتعززت صناعه
نقول إن العلاقات الإخوانية كانت خير معين للشعراء على إبراز شاعريتهم دون زيف، وإظهار فنهم دون تلفيق. فكان صدى لنفوسهم ومرآة لحوادثهم. وقد حدث صاحب مسالك الأبصار عن أبى الحسين الجزار المصري السابق ذكره، فقال: