للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(حكى أن السراج الوراق وأبا الحسين الجزار، خرجا في عهد صباهما، والشباب أعقد حباهما، يريدان النزهة. فوجدا غلاماً زامراً، يتمنى منه اللقاء ويجتمع فيه الغصن والورقاء. يتلفت بصفحة القمر المنير. ويطرب كأنما زمره مما أوتى آل داود من المزامير. فلفتاه إليهما لأمر. وظنا أنه ستلينه لهما الخمر. فأتيا به دير شعران وصعدا إليه. فوجدا راهباً يصدع حبه الفؤاد. ويطلع قمره ولا شئ أحسن منه في ذلك السواد. فزاد سرورهما بحصول الزامر والراهب. وأيقنا ببلوغ المآرب. فلما حميت فيهما سورة الحميا. وظن كل منهما أنه قد حصل له فراشه وتهيا. فطن الزامر والراهب لمرادهما، فتركاهما ومضيا قبل التمام، وتركاهما وكل واحد منهما يشكو ضجيعاً لا ينام. فقال السراج:

في فخناً لم يقع الطائر ... لا راهب الدير ولا الزامر

فقال أبو الحسين الجزار:

فسعدنا ليس له أول ... ونحسنا ليس له آخر

فقال السراج:

فالقلب في إثرهما هائم

فقال الجزار مكملا:

والقلب من أجلهما حائر)

وفى هذه القصة ما يصور حياة هذين الماجنين، وهما مثل لغيرهما أو لكثير غيرهما من أدباء العصر.

ويقرب من هذه الحادثة ما رواه صاحب قوات الوفيات قال:

(حكى أن نور الدين على بن سعيد المغربي صاحب المرقص والمطرب، مر مع جماعة من الأدباء بالديار المصرية، ومنهم أبو الحسين الجزار، فمروا في طريقهم بمليح نائم تحت شجرة، وقد هب الهواء فكشف ثيابه عنه. فقال أبو الحسين الجزار، قفوا لينظم كل واحد منا في هذا شيئاً. فما لبثوا حتى قال نور الدين على بن سعيد:

الريح أقود ما تكون لأنها ... تبدى خبايا الردف والأعكان

وتميل بالأغصان عند هبوبها ... حتى تقبل أوجه الغدران

فلذلك العشاق يتخذونها ... رسلا إلى الأحباب والأوطان

<<  <  ج:
ص:  >  >>