رجال الدين سحقاً، وأن يسقط أعلام الفكر في عصره، الذين أرادوا أن يعودوا بالإنسانية أدراجهاإلى الماضي، وعرف كيف يزلزل عروش هؤلاء وأولئك (وكانت مكينة حينئذ) زلزالا عنيفا، بأن احتقرهم وازدراهم، تارة بالإهمال والحذف، وطورا بتصويرهم في كتاباته في صور تبعث القراء على الضحك.
نعم استطاع فولتير أن يقوض سلطان الكنيسة المخيف، وان يهزأ بالدراسات الكلاسيكية، التي كانت موضع الإعجاب والتقدير حينا طويلا من الدهر. ولكنه لم يكن هداما وكفى، بل أقام على تلك الأنقاض بناءً قويا من الأمل في المستقبل بعد اليأس من الإصلاح، ومن العناية بالشعوب دون الملوك، بعد أن كانت تلك الشعوب في زوايا الإهمال والنسيان وقد استعان على ذلك جميعا بقوة المنطق تارة، وبالسخرية اللاذعة طورا، حتى كتب له النجاح والتوفيق.
هكذا كان فولتير من رسل الديمقراطية في الطليعة، ومن أبطال الثورة الفرنسية في المقدمة، لأنه حطم ذلك التقديس الإلهي الذي كان يحيط بالملوك ورجال الدين، ثم رفع الشعب حتى تبوأ تلك المكانة السامية، فلوح له بمستقبل مزدهر هنيء سعيد، فلعبت تلك الأماني الحلوة بأفئدة القوم، وضاقوا بحياتهم صدرا، وبدأ القلق يساور النفوس. تعجلا لذلك المستقبل الموعود، فأخذ الشعب يتحفز ويتوثب، إلى أن هب في الثورة الكبرى، وحطم ما كان يرسف فيه من أصفاد وأغلال.
لم يعد لويس السادس عشر الحقيقة حين قال، وقد وقعت عينه في السجن على كتب فولتير وروسو:(لقد انقض هذان الرجلان ظهر فرنسا) ويقصد بذلك أسرة البوربون.
ذلك هو فولتير، الذي لم يكن واحداً في عداد الأفراد، بل احتوى في شخصه عصراً بكل ما فيه من عقل وروح، حتى قال عنه فكتور هوجو:(إذا ذكرت فولتير، فقد ذكرت القرن الثامن عشر).
وهذه هي آثار ما كتبه من أدب وتاريخ، واضحة في النعرة الديمقراطية التي تحتوي الأرض من أقصاها إلى أقصاها، فحق له أن يقول:(إن الكتب تحكم العالم).