وشيوع التحلل والإباحية، وظهور شعراء مجيدين في لغة الضاد بعد غزو الآداب والعقائد والعلوم والجيوش الأوربية للبلاد غزواً زعزع الإيمان بالقديم، وضعف الشعر العربي في عصر النبوة والخلفاء الراشدين، وقوته قبل ذلك العصر في الجاهلية، وبعده في أيام الأمويين والعباسيين عندما ضعف الوازع الديني ودخل في حمى الدولة الإٍسلامية كثير من الشعوب الأعجمية، وأشاعوا في العرب عاداتهم وعقائدهم وتقاليدهم وأمراضهم الاجتماعية؛ وعدم ظهور الشعراء الكبار في روسيا السوفيتية لإيمان الروس العميق بمبادئ الشيوعية واتخاذهم منها ديناً هم أحباره وحواريه؛ ويمكن تعليل ذلك بأسباب منها:
١ - الشعر فن جميل يتأثر بالعاطفة وينبع منها، ويؤثر فيها، ويقف عندها؛ والإيمان مرتبة تتجاوز العاطفة إلى الفكر والإرادة، وهو نوع من المعرفة والتفكير محصور في نطاق العقيدة والناموس، ومتى تحكم العقل وأحيط بالفكر وقويت الإرادة وأخلد القلب إلى يقين العقيدة، فلا مجال لخيال ولا جموح لعاطفة، والجب جميعه موجه للمعبود المعلوم المجهول. . . ولذلك تزدهر الفنون الجميلة كلها - لا الشعر وحده - في الوثنيات أكثر من ازدهارها في ظلال الإيمان واليقين، وكنف الإسلام والتوحيد، فالنحت والتصوير والغناء والموسيقى والتمثيل والأناشيد أسس وأصول للديانات الوثنية وطقوسها، وليس الأمر كذلك في الإسلام واليهودية والنصرانية، وإذا رأيت في هذه الأديان شيئاً من ذلك، فهو أثر من آثار الوثنيات السابقة للأمم التي اعتنقت هذه الأديان.
٢ - يعلم الشادون في الأدب أن الاشتغال بالعلم والفلسفة يضعف الشاعرية، وأن شعر الفقهاء والفلاسفة والعلماء خال من الجمال الفني، يكاد يفوح منه ثقل الفقه، وجفاف العلم، وتعقيد الفلسفة، ذلك لأن الإنسان يعسر عليه أن يعيش في حياتين فكريتين مختلفتين: إحداهما يسودها التفكير المنطقي، وأخراهما يسيرها الوجدان والعاطفة، ولأن ألفاظ أية لغة من اللغات قسمان قسم محدود المعنى محصورة، وقسم يشتمل بجانب معناه الأساسي على معان فرعية يثيرها في النفس جرس حروفه، أو لفظ آخر متعاقب معه فيها، أو أصل المادة التي اشتق منها هذا اللفظ، أو دلالته على معنيين، فيراد أحدهما أصلا، ويبقى الآخر فرعاً.
والأصل في الأسلوب العلمي أن يستعمل الألفاظ المحدودة المعاني، كما أن الأصل في الأسلوب الأدبي أن يستعمل الألفاظ ذات المعاني الفرعية، وقد أشار علماء اللغة إلى