للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأربعة الضعاف، والأيم الصغيرة الفقيرة، كانوا لا يخرجون من مسكنهم النابي، ولا يفيقون من حزنهم الطويل، فأمضى الكبار ما قضى به الصغار، وقدرت المكافأة بجنيهين تقطع منهما الدمغة!!

وبلغتني المأساة فعرضتها على صاحب المعالي أحمد مرسي بدر وزير العدل - وكان قد كشف بفطنته ويقظته سر هذه العصابة - فنظر في هذه القضية بنفسه، وكتب إلى (المالية) كلمة العدل فيها بيده.

وشكوت إلى (مصلحة الطرق والكبارى) بالمنصورة أن ضيعتنا جزيرة في بحر الأمير طوسون لا يصلها بالشاطئ العام إلا طريق وعر غير سالك، وسألتها أن تمهده ولو على حسابي. لكن المهندس الصغير تلكأ لأسباب لا تغني غيره، فلجأت إلى الرياسة العليا فقررت الطريق وأمرت أن يمهد ويصان. فلما جاء الأمر بالتنفيذ ورم أنفه واستطار عناده وأقسم ليقفن دون هذا الطريق مهما يكن الأمر والآمر. وكتب تقريراً زعم فيه أن الطريق خمسة آلاف متر وهو لا يزيد على سبعين قصبة، وأن في بعضه عقبة كأداء وهو وحده هذه العقبة! فلما رأت الإدارة هذا الاختلاف بين ما قررت وقرر أرسلت إلى العزبة ثلاثة من مهندسي القاهرة فوافقوا أمامي على ما قررت، ورسموا الطريق على ما قدَّرت، ولكنهم حين خلوا إليه في مكتبه أصبح الخفيف ثقيلا والممكن مستحيلاً والكذب صدقاً والعام خاصاً والضرورة ترفاً والمنفعة مضرة! ومن هذا الزور الجريء ألف الموظفون الصغار التقرير، ورفعه كبيرهم إلى المدير، فلم يسعه إلا أن صدق الأوراق الرسمية ويعتمد التواقيع المختصة.

ورفعت أنا تقريري إلى صاحب المعالي أمير الأدباء ووزير المواصلات، فهو ينظر فيه نظر القاضي العالم والحاكم الحازم، وسيستشهد بالطريق الناطق على التقرير المكتوب، ويحتج بالواقع الصادق على التقدير المكذوب!

هذه أمثلة ثلاثة مما أعرف. ولعل أمثالها ألوف مما يعرف الناس، سردتها عليك في هذا الإيجاز لتصدق أن إرادة الصغير هي إدارة الكبير، وأن مراقبة الموظفين محال إذا لم تكن للشرف والضمير!

(المنصورة)

<<  <  ج:
ص:  >  >>