للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإذا بالقوم ينصرفون عن حسان، وتطلعون نحو الصحراء ويشيرون بأيديهم نحو خيال فارس بعيد يخب في هذه الرمال المحرقة، ويعدو قاصداً (المدينة) فيخيفه النقع الثائر تارة، ثم تظهره الآكام المرتفعة أخرى، حتى أصبح قريباً منهم، وتعلقت أبصارهم به. ولما أدنا أبطأ في سيره، وشدَّ لفرسه العنان، حتى وقف إزاءهم، فتصايح الجميع. . . عمرو. . . عمرو. . . والتفوا حوله، فترجل ثم تقدم من الرسول صلى الله عليه وسلم، وسلم عليه، ثم انفتل إلى الأصحاب، فأدَّى لهم التحية. . .

وعرف الجميع أنه (عمر بن أمية الضميري) أحد القرَّاء الذين بعثهم الرسول إلى القبائل لتعليم القرآن. وعقدت الدهشة ألسنة الجميع فلبثوا ينظرون إلى عمرو دون أن ينطق أحدهم بحرف وكأنهم لا يصدقون ما رأوا، وقد أخبروا بأ القراء قتلوا عن آخرهم. . وقطع عليهم حبل الصمت الطويل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسؤال عمرو عن مصير القوم وعن صدق مقالة الناس. . .

قال (عمر بن أمية الضميري): وذهبنا يا رسول الله إلى حيث أمرتنا، وسرنا حيث أشرت علينا، حتى وصلنا (بئر معونة) فبعثنا (حرام بن ملحان) إلى (عامر بن الطفيل) برسالتك فلم ينظر في الكتاب، بل وثب على حرام فقتله. . . واستبطأنا حراماً، فأقبلنا في أثره، فلما شعر بنا (عامر) استصرخ علينا قبائل من بني (سليم ورعل وذكوان) فنفروا معه، فلما رأيناهم أخذنا سيوفهم، وقاتلنا حتى قتل إخواني عن آخرهم، وبقيت وحدي، أنتظر الموت. . . وقد أخذني القوم أسيراً، فلما مثلت بين يدي (ابن الطفيل) قال لي: كان على أمي نسمة فأنت حرٌّ عنها، وجز ناصيتي وأطلقني عن رقبة زعم أنها كانت على أمه. فلما خرجت إلى المدينة صادفت بمكان يسمى (القرقرة) رجلين نزلا معي في ظل كنت فيه، فقلت لهما: ومن أنتما؟. . . فذكرا لي أنهما من بني عامر، فتركهما حتى ناما ثم قتلتهما ثأراً لإخواني الذين قتلوا في (بئر معونة). ثم عدوت بفرسي نحو المدينة. . حتى وجدتكم هنا. . . فغضب رسول الله حين سمع نبأ مقتل العامريين، ونظر إليه، وقد ظهر أثر الغضب في أسارير جبينه وقال له:

(بئس ما صنعت! قد كان لهما مني أمان وجوار سوف أدفع ديتهما. . .)

رأى رسول الله أن مصاب المسلمين في (بئر معونة) جعل المنافقين واليهود في المدينة

<<  <  ج:
ص:  >  >>