يتربصون بهم الدوائر، ويعملون على الكيد لهم، وقد ضعفت مكانتهم من نفوسهم، وقلتْ هيبتهم في قلوبهم. . ورجعوا بذاكرتهم إلى انتصار قريش على المسلمين بأحُد. . . ففكر طويلاً في أمر (يهود) وأراد امتحانهم، لتتضح له نياتهم، ويعلم ما تخفيه أفئدتهم، فذكر أن اليهود حلفاء بني عامر، وأن خير امتحان لهم أن يسألهم معاونته في دية العامريين اللذين قتلهما (عمرو بن أمية) خطأ، فعزم على الذهاب إلى (العالية) حيث يقيم (بنو النضير) من اليهود على بُعد أميال من المدينة. . .
ولما كان يوم السبت خرج رسول الله إلى مسجد قباء فصلى فيه ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار، بينهم أبو بكر وعمر وعلي. . . ثم ذهب إلى (بني النضير) في العالية، فأظهروا الفرح بمقدمه. . . والسرور لزورته. . . ولما ذكر لهم ما جاء فيه تكلفوا الغبطة والبشر وقالوا: نفعل يا أبا القاسم ما أحببت. . . وجلس إزاء بعضهم يتبسطون معه في الحديث، بينما انصرف سائرهم إلى ناحية أخرى يتشاورون فيما بينهم على الغدر بمحمد، والقضاء على صحبه، وذكروا آنئذ مقتل (كعب بن الأشرف) اليهودي. . . وأرادوا أن يثأروا له. . . ودخل أحدهم (عمرو بن جحاش) البيت الذي كان رسول الله يستند إلى جواره، وتبعه ناس آخرون، ولبثوا داخله طويلا، يدبرون المكيدة ثم خرجوا وقد عزموا على أن يظهر (عمرو بن جحاش) على البيت الذي يستند محمد إلى جداره فيطرح عليه صخرة يقتله بها. . . ورأى رسول الله إمارات الغدر في عيونهم، فارتاب في أمرهم، وخشي شرهم، ولذلك انسحب من المجلس تاركا وراءه أصحابه يظنون أنه قام لبعض أمره. . . وذهب تواً إلى المدينة، ولقيه في ظاهرها بعض اليهود، وكان قاصداً العالية. . . ورآه وهو يتجه نحو المسجد. ولما استبطأ المسلمون الرسول صلى الله عليه وسلم خافوا عليه، وقاموا في طلبه، فلقوا الرجل القادم من المدينة وعرفوا منه أن الرسول دخلها وذهب تواً إلى المسجد. . . فلحقوا به. . .
صعد (عمرو بن جحاش) إلى البيت ليلقى بالصخرة على محمد وهو يظن أنه ما زال مستنداً إلى الجدار فإذا بذلك اليهودي الذي رأى الرسول في المدينة يصل فيرى حركة قوامه واهتمامهم فاقترب منهم يسألهم عن الخبر، فأنبئوه بما عزموا عليه، وطلبوا إليه ألا يتكلم. . . فضحك منهم وقال: الآن رأيت (محمداً) في ظاهر المدينة. . . فماذا تصنعون؟!.