الوطنية في تحقيق المآرب القومية دون الغايات الإنسانية التي يفرضها الدين الهندوكي على الهنود، وتوصلهم إلى أرفع مراتب الكمال الروحي. . .
ولم يقف نقد طاغور لغاندي عند حد خوضه السياسة وإقحامه الدين في مشاكل الأرض، بل تعداه إلى ذم اساليبه السياسية وطعنه فكرة اللاتعاون مع الغرب، لأنه يؤمن بالأتحاد الحقيقي بين الشرق والغرب، ولم يستسغ مطالبة غاندي الهنود بمقاطعة الإنجليز اقتصادياً، وتضايق من فرضه على كل هندي أن يغزل يومياً وينسج ويحرق ملابسه الأجنبية، ولا يلبس إلا ما غزل بالمغزل اليدوي. ويرى أن خطر هذه الآلات الصغيرة على الهند لا يقل عن خطر الآلات الكبيرة على الغرب، فهي تجمد حيوية الهند وتعرقل تقدمها، فلا يجب أن تتخذ منها الهند وسيلة لمعالجة الفقر والجوع. كما لم يرقه كره قومه الرذيل للثقافة الغربية، وأعتبر مقاطعة المدارس والجامعات التي تدرس هذه الثقافات مظهراً من مظاهر ضيق الأفق وفقر المدارك، ولوناً من ألوان التعصب الإقليمي المنحط.
إن إهمال الهنود بحث الثقافات الهندية خطأ يعيبهم يجب أن يتداركوه، ولا يستحق منهم الإغضاء عن دراسة العلوم الغربية ولا يجب أن يتحرجوا من أن تستفيد الهند من خيرات الغرب الثقافية. ولئن كان غاندي لم يرد بسياسته إلى محو آثار المدنية الغربية من الهند، إلا أن ثورة الأهواء القومية تجعل لمبادئه في اللاتعاون هذه المقاصد الفاسدة. ويخاف طاغور على طهارة الهند من غائلة بربرية أتباع غاندي الروحية.
لا ينكر طاغور أن تحقيق أستقلال الهند أمر خطير ويحتاج إلى نوع من الحماسة والعاطفة أكثر احتياجاً إلى روية الأختصاصيين وتدبر الاقتصاديين وبحث العلماء؛ فان الحماسة وحدها لا تكفي لحل المشاكل الهندية، وإنما يتطلب حلها كذلك الأستعانة بالعلم والكياسة والسياسة والاقتصاد، فإن اتئثار فرد - ولو كان زعيم الحب والحق - من دون الهنود جميعاً في رسم خطى السياسة العليا الهندية من اقتصادية وسياسية وثقافية لثقل تنوء بحمله قوى رجل واحد مهما تعددت مواهبه، ويجب أن يسمح لجميع الكفايات في الهند بأن تساهم بجهودها في خدمة الهند، فيعطى للاقتصادي فرصة لتدبير المال اللازم لرفاهية الشعب، وللصانع فرصة لأن يشتغل بالصناعات التي يمهر فيها، ويطلب من علماء التربية وضع الأسس الصالحة لتربية أبناء الأمة، ومن رجال العلم تعيين البرامج الثقافية الملائمة للطالب