السياسية حياته الخاصة، وخرجت على تعاليم الدين الهندوكي التي تقوم على حقيقة وحدة الوجود. وكان على غاندي أن يرد هذه التهم ويفسر أساليبه ويدفع عن نفسه هذه الشكوك التي أثارها طاغور حول نزعاته الروحية والإنسانية، ويبين أن سيرته الخاصة لا تناقض سيرته السياسية.
فقام غاندي يفند أقوال طاغور ويبرر راءه وطرقه ويوضح أنها تستند على اسس من الدين وتتمشى والمبادئ الإنسانية، فزعم أن حبه للهند أو تعصبه لقومه لا يشهد بأنه خرج على الدين أو نبذ القيم الإنسانية وتعلق بوطنية حمقاء، لأن الوطنية في ذاتها لا تتعارض والانسانية ما دامت لا تضر بالشعوب المادية.
إن وطنية غاندي طاهرة لا تشوبها نقائض الأنانية الاستقلالية، فهي وإن كانت تحثه على خدمة الهند وإصلاح شئون الهنود الخاصة والعامة بمقومات الحضارات القديمة إلا أنها لا تدفعه إلى أن يكسب شيئاً للهند، ويسئ في نفس الوقت إلى إنجليز، أو تغريه على تنمية عواطف حب السيطرة في نفوس الهنود، حتى يقويهم على الاعتداء على الشعوب المجاورة. فوطنية غاندي لا تقوم على الكراهية، إنما تقوم على الحب، ولا تخالف الدين أو تهمل القيم المعنوية، وغنما تستوجبها جميعاً وتعززها.
أما عن اشتغال غاندي بالسياسة، فيقول إن السياسة تلتف حول كل هندي التفاف الأفعى، ولا سبيل للتخلص منها. ولكي يقضي غاندي على سموم هذه الأفعى، أضطر إلى أن يقحم الدين في السياسة. ويقصد بذلك أن حالة الهند وما هي عليه من تفكك وتصدع وذل واستعمار، وظروف الهنود وما هم عليه من بؤس وشقاء وانحطاط، وتطور الحوادث السياسية والاجتماعية في الهند، يلزم أي هندي محب لترقية وطنه، بأن يساهم في تحرير بلاده وإصلاح حياة أهله. وبتأثير هذه العواطف الشريفة، خاض غاندي معترك الحياة السياسية الخبيثة السامة مرغماً. ونظراً لأنه ديني بالفطرة، سياسي بالضرورة، شرع في تطهير السياسة من طرقها الملتوية الحقيرة بإدخال الدين فيها، حتى يسمو بالسياسة إلى سماء الدين. وعلم الهنود الاضطراب الديني السلمي، الذي يعلن بقوة ووضوح، الاحتجاج على الظلم بدون إحداث شغب أو تلف أو إراقة دماء. كما علمهم الارتكان إلى اللا تعاون، كلما نزل بهم جور. فحارب الهنود الإنجليز بأسلحة سلبية لا تعتمد على العنف السياسي