سعت الهند إلى وحدة العالم، فإنها تطيع أوامر الدين، وتلبي في نفس الوقت نداء الإنسانية وتنقذ أهلها من رق التعصب الأناني، وتطلقه من اسر النعرة القومية الهوجاء، وتبرئه من مبادئ اللاتعاون التي تثير الحقد والكراهية في النفوس، وتسلم العالم من أشرار الانفصال، وتوصله إلى بر الاتحاد، لأن الانفصال باطل يدعو إلى التعصب، ويثير الشقاق، ويحض على تهجم الروح الفردية على الروح الكلية فلا تتمتع أمة بسعادة أو تنعم بسلام.
ولا يحقق هندي ذاته، أو يفوز بغايته الدينية، وتصبح أمم العالم في تنابذ وتشاحن، فيضطرب النظام الطبيعي في المجتمع الدولي، ويخلق الظلم والاستبداد، وتشرع القسوة والاستعباد فتعاون قوى العالم ونسيان ما بينها من أحقاد وأضغان ضروري لتفادي كل ما يعرقل وحدة الدول أو يعوق تعاونها، واستمرار الهند في التفكير في الانتقام، والسعي في الانفصال عن الغرب، لن يخلصها من الجوع والفقر، واتخاذها اللاتعاون سبيلاً لطرد المستعمر من البلاد لن ينيلها الحرية الحقيقية، لأن مشاكل الهند مرتبطة بمشاكل الغرب، وحلها يتطلب مقدماً تعاون العالم، فلا مفر من التعاون، لأن واقع الحياة العالمية يميله على الأمم لينقذها من وهدة الظلام التي تعيش فيها. فوق أن الدين الهندوكي يجبر كل هندي على تحقيق الذات اللا متناهية التي تتلاشى فيها ذات الأفراد، ولا يوجد بها إلا الحياة الكلية، والتي تزول فيها القيم الظالمة القاسية، ويبقى بها الحب والوئام والتعاون.
إن انتقادات طاغور لغاندي تدل على أن طاغور ثابت الفكر لا تتلون نزعاته الروحية بتغيير الظروف، فهو رجل يؤمن بقوة الروح، ويعتقد في الحياة الفاضلة، ويثق في الوحدة سواء أكان مجالها حياة الفرد أو حياة السرة أو حياة الأمة أو حياة العالم. ويود أن يحافظ الفرد والأسرة والأمة والعالم بأجمعه على هذه الأصول، فلا تتحول القوة الروحية إلى قوة مادية حسب الأهواء القومية، أو يستغني عن الفضائل المعنوية في سبيل الفوائد النفعية إذا اقتضى مصلحة الأمة ذلك، أو تفضل الوطنية على الإنسانية والانفصال على الاتحاد لعلة من العلل المادية الوقتية. وعلى هذا الأساس وجه طاغور انتقاداته لغاندي، ذلك الزعيم الروحي الذي تنم سيرته السياسية عن خلاف ذلك، فهو يقحم الدين الروحي في السياسة المادية، ويغلب تعصبه القومي على ميوله الإنسانية، ويستبدل التعاون باللا تعاون في محاربة الإنجليز، ويدعو لأنفصال الهند عن الغرب بدلا من الاتحاد معه، فعارضت أساليبه