بقى الفتى يقاسي في نزعته الفنية ألم الحرمان والغضب وانقطاع الوشيجة بينه وبين والده وأفراد اسرته مدة حتى توفى الله الوالد وانعتق الفتى من اسر الرقابة وأصبح مالك نفسه وحاكم أمره، وكان قد بلغ سن الرشد فأنقطع لخدمة الفن وتفتحت براعم عبقريته وأمسى يصل ليله بنهاره ونهاره بليله دأباً على التلحين ونظم القصائد والموشحات. وقد ساعده على الإجادة في النظم ما كان قد أخذه عن شيوخه من قواعد اللغة والنحو والصرف حتى قال فيه أحد شيوخه لو ظل هذا الفتى مثابراً على الدرس لتحدثت الشام عن علمه زمناً طويلاً، كما قال أحد الخلفاء العباسيين في أسحق الموصلي: لولا نزعته الموسيقى لوليته القضاء.