للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكيفما كان الحال، فقد رجع الشاعر من مكة كما ذهب إليها، لم يتقرب إلى الله بتوية ترفع عنه سيئاته، وحسبه أن وجد في البيت العتيق طريقاً يوصله إلى جنان بدل أن يوصله إلى الله!! وليته ظفر بما يريد، فإن صاحبته ما زالت برغم جنونه بها تمقته وتزدريه، وعذرها في ذلك أنها لم تصدقه فيما يدعيه، ولا جرم فقد جنت عليه شهرته السالفة بالمرد الحسان، فحق لجنان الماكرة أن تعذبه بالحرمان.

وقد يئس الشاعر من صاحبته في النهاية، فأركب على الشراب وحالف السكر محالفة تنسيه شواغل الوجد ولواعج الهيام، ثم ترك البصرة بما فيها من معارف وأصدقاء وأتجه إلى مدينة السلام، فرأى البصرة لا تقاس بها في الترف والمجون، فقد حوت من المتع والملاذ ما ستخف الوقور ويصبي الحليم، فغرق في الخلاعة إلى أذنه، ونهز بدلوه مع الغواة، وبلغ ما يبلغ المرء بشبابه فإذا عصارة كل ذاك أثام!

عفا الله عن الحسن بن هانئ فقد حج إلى البيت العتيق حجاً غير ميرور، ونظم في الزهد والتوبة مالا يحب إزاء آثامه ومخازيه، ولكنه خدع من كتب عنه من المستشرقين في دائرة المعارف الإسلامية، فزعم أنه تنسك وزهد، وما كان الشاعر طيلة حياته من الزاهدين، ولكنه قال قول الزهاد، وفعل أفعال المجان، فكان كصاحبه جميل تذبح العصافير في قسوة، وتدمع عليها في رحمة.

فلا تنظري يابثن للدمع وانظري ... إلى الكف ماذا بالعصافير تصنع

(الكفر الجديد)

محمد رجب البيومي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>