أما أهيكل الرواية ففيه طرافة وتجديد. ونستطيع أن نلخصه في عبارة قصيرة؛ إنه عبارة عن تاريخ حياة أسرة وأحفادها. فقد بدأت الرواية في التحدث عن الحاج أسعد وهو أبو الأسرة الأكبر ومن حوله أبناؤه الأربعة ولكل منهم زوجة وأطفال. ويظل هؤلاء جميعاً سقف واحد في البيت الكبير الذي يمتلكه الحاج أسعد. ثم نستطرد الرواية في استعراض حياة هذه الاسرة التي تتفرع وتتشعب وتتشابك شؤونها وتتعقد مشاكلها بأزدياد أفرادها وأتصال أعمالهم بأعمال الناس، وبما يواجههم ما يواجه الإنسان في خضم الحياة من مشاغل تستولى على عمره. فهنا بيع وهناك شراء، وهنا زواج وهناك طلاق، وهنا مرض وهناك موت، والى أخر ما يتعلق بالحياة من أمور. على الرغم من أن السيطرة على دفة رواية تعالج نفسيات الناس وعاداتهم وتبسطها على خير الوجوه من الصعوبة بمكان، فإن الأستاذ السحار أمسك بالدفة شأن الربان الماهر، وعالج حياة هذه الأسرة وما تفرعت منها من أسر بدقة وإتقان. حتى أن القارئ ليخرج من الرواية وهو على أتم ثقة أن المؤلف لم يفتعل حادثة من الحوادث ليصور إحدى العادات، وأن الرواية سارت في مجراها الطبيعي دون أن تتعثر بما في طريقها من صخور.
ومع أن الرواية ليست من ذلك النوع الذي يعنى المؤلف برسم مشكلة لها هي العقدة؛ تتشابك الحوادث حولها وتتكاثر الشخوص، ومع أنها ايضاً لا تشتمل على حوادث غريبة مشوقة وإنما هي قطعة من الحياة مليئة بما يقع للمرء وما يشاهده في مجتمعه من الحوادث والعادات على مدار الأيام فإنها مع ذلك تجري في أسلوب لين شيق يأخذ بانتباه القارئ فيستغرق في تلاوتها بلذة وإعجاب. وهذا ولا شك هو المقصود بنجاح الروائي وبراعته.
بيد أن كثرة شخصيات الرواية لم يفسح للمؤلف مجالا كي يرسمها جميعاً بالدقة المطلوبة - كما رسم شخصية مصطفى ونفيسة مثلا - فجاءت صور قسم منها باهتة لا تتسم بميزات وملامح واضحة برغم أهميتها. ومن ذلك القسم جاءت شخصيات سليم وأسعد وماري. ولعل المؤلف في تحليل شخصية مصطفى بنجاحه في تحليل شخصية سليم. مع العلم أن الشخصيتين تتكافأن في الأهمية والدور. حقاً إن الفرق يبدو شاسعاً بين النجاحين. والواقع أن براعة المؤلف كما يتضح لي متجهة إلى غرضين يمكن القول أنهما شغلاه نوعاً عن الأغراض الأخرى: الأول والأهم هو تصوير حالة المجتمع المصري في نصف القرن