الأخير وتسجيل عاداته وتقاليده. وقد سبق لي أن ذكرت أن المؤلف توفق في هذا كل التوفيق. فأستطاع أن يكون صورة في أذهاننا عن الزواج - مثلا - في جميع مراحله: كيف تتم الخطبة، ويعد (الجهاز) ويقدم (النيشان) ثم تقام الزفة التي يعقبها بناء الخطيب بخطيبته.
ولكي أكون لدى القارئ فكرة عن دقة المؤلف في تصوير هذه العادات أورد الآن مقطعاً يتعلق بأحد مراحل الزواج الذي يسمى (النيشان). فقد جاء في صفحة (٢٠٥) من الكتاب ما يلي: -
(وخرجت أمينة وعصمت وسكينة لشراء (النيشان) وهو هدايا يقدمها الخطيب قبل الزفاف، ويتكون (النيشان) عادة من حذاء فضي، وقماش من القصب العنابي، وقفاز أبيض، ومروحة كبيرة من ريش أبيض فاخر، وطرحة بيضاء، وحافظة بيضاء وجورب أبيض من الحرير الغالي، ويطلق على هذه الأشياء (الطقم الأبيض، وهو ما ترتديه العروس ليلة الزفاف. ويحتوي (النيشان) كذلك على شباشب حمراء وصفراء وخضراء وجوارب ومناديل وروائح وصابون ممسك، وصندوق تواليت فاخر، وأقمشة متعددة وثياب داخلية).
هذا عن الزواج، وما يقال عن الزواج، يقال عن كيفية علاج الناس للمرض والعقم واستغنائهم عن الأطباء بأولياء الله من أمثال سيدي البيدق، وأولاد عنان، وسيدي الشعراوي، والسيدة نفيسة، والمندورة. وهم شأن الأطباء، لكل منهم اختصاصه: فسيدي البيدق يشفى من الصداع ويزوره المرضى بعد صلاة العصر، وأولاد عنان يشفون المرضى المهازيل، وسيدي الشعراوي يشفى مرضى النفس والحسد، ولا بد من زيارة ضريحة مريدة في اليوم في الفجر وعند الغروب، أما السيدة نفيسة فيزورها مرضى العيون ولم يحدد لزيارتها وقتما، والمندورة تشفي النساء من العقم.
هذه العادات، إلى غيرها من نظم المجتمع وما يتصل به، حظيت من المؤلف بأكبر قسط من الأهتمام. ولذلك جاءت صادقة دقيقة تنساب في سلالة وبساطة محببة. وبذلك حقق المؤلف هدفه الأول.
أما الهدف الثاني فهو على ما أعتقد دراسة شخصية مصطفى، التي تمثل شخصية المؤلف. وقد نجح الكاتب في هذا الغرض ايضاً، حتى أن القارئ يظن أنه عرف مصطفى هذا قبل