أن يقرأ عنه في الروانة، وهو قد عرفه في الحق؛ ولكنه عرفه في خضم الحياة المليئة بأشخاص من طراز مصطفى. وقد أبدع المؤلف خاصة في تحليل حب مصطفى وعواطفه، وعندي أنه إن لم يكن قد بلغ القمة فيه فقد قاربها.
وهناك بعض المؤاخذات على المؤلف أهمها كثرة أبطال روايته. صحيح أن مجال الرواية واسع، وأنها تشمل الحياة بكليتها، ولكن هذا لا يعني أن نعالج نفوس الناس بأجمعهم، بل علينا أن ننتقي منها ما يمثل منها مجموعة بعينها. وحيث أن المؤلف عالج في روايته أسرة معينة تفرعت منها أسر أخرى، فإنه تعرض لجميع أفراد هذه الأسر.
ولكنني لا أتفق معه على طريقته هذه، وأقل ما يقال عنها أنها توقع القارئ في الارتباك فلا يستطيع معرفة الشخصيات معرفة دقيقة وهي على تلك الكثرة. وبالإضافة إلى ما قد ينجم عنها من أرتباك، فأنها دفعت المؤلف إلى تسجيل بعض الحوادث التافهة التي لا تستحق أن يفرد لها مكان في رواية جيدة كروايته. وابسط مثال على ذلك شخصيات أصدقاء سليم وأسعد التي لم يكن لها لزوم في الرواية إطلاقاً، والتي تشعر القارئ دوماً أنها كل على الرواية، قد أقحمت فيها إقحاماً، ومهما حاول القارئ أن يتعرف على لون لها أصطدم بالحقيقة الواضحة وهي أنها عديمة اللون والطعم والرائحة!.
وقد كاد المؤلف من الجهة الأخرى أن يشرك عنصر الفساد في الرواية، لا لذنب جنتة إلا لكونها قد طالت. والظاهر أن ذلك الطول قد أقلق المؤلف، لأنه عمد إلى استغلال قانون السرعة استغلالا مضراً بمصلحة الرواية كل الضرر. ولعل القارئ يستطيع أن يلاحظ ذلك منذ بداية الصفحة الثلاثمائة.
إذ أتجه المؤلف إلى رواية الحوادث بأسلوب بسيط ساذج لا تميزه إلا السرعة، وليس له أية علاقة بأسلوب الروائي الفنان، ثم ما تكاد تأتي النهاية حتى يصطدم القارئ بحقيقة أخرى، تتمثل بيتر الرواية. صحيح أن نهايتها موفقة، ولكن القارئ يشعر شعوراً أكيداً أن المؤلف لم يقل كل ما عنده، وأن عليه الأستمرار فيها لأنها لم تنته بعد.
وفيما عدا ذلك فإن الرواية على نصيب موفور من الروعة في فنها وأسلوبها وأغراضها.