القرآن ثروة الإنسانية الروحية؛ وذخيرتها التي تعتز بها في اجتماعها واقتصادها وسياستها وخلقها؛ وهو موضع الحفاوة؛ وهدف الدراسة؛ ومثار النشاط العقلي بين ذوي القرائح الخلافة؛ غير أنه لم ينل في البيئة الإسلامية كل ما يتطلبه في هذه المرحلة الفكرية الجديدة، كتحديد أهداف سوره؛ والمحور الذي تدور حوله. مما يعين على تمثل أغراضه؛ والنفاذ إلى مراميه. ولعل أول محاولة يراها - النور - في هذا الميدان هي ما أضطلع بها الأستاذ الجليل في النهج الذي أنتهجه في تفسير الربع الأول من سورة البقرة وآل عمران والنساء. وهذا المنهج يتمثل في أنه يبتدئ بكلمة عامة عن السورة يقدم فيها بين يدي - القارئ - العناصر الأساسية التي يتكون منها هيكل السورة؛ ويهيئ الجو الذي يظله من السورة بظلاله. وهذه خطوة لها أثرها القيم في فهم أسرار القرآن واستلهام روحه صافية غير مشوبة، حتى إذا وصل إلى الربع الذي هو بصدده أخذ يكشف لك عما يتناوله من أغراض. فإذا ما وضع تحت بصرك هذه الأصول فقد أجتاز بك المنطقة الشائكة؛ ثم يأخذ بعد ذلك يصور لك بأسلوبه الفكري وبقلمه البياني، المعنى العام للربع وإذا بك تجدك وقد وصلت إلى أهدافك من أيسر السبل؛ دون أن يجشمك متاعب السفر ولا وعثاء الطريق؛ فها هو ذا يستهل بحثه بكلمة عامة عن سورة - البقرة - ويعلل طولها باشتمالها على تشريع الأحكام العملية. وقد بدأها الله ببيان فرق الناس بازاء الاهتداء بالقرآن، وبين فيها البر وأحكام القصاص؛ والوصية. والصيام. والحج. والنفقة. والخمر. والميسر. والزواج والطلاق. والعدة. والإيلاء. والربا. والمداينة، والتوثيق بالكتابة؛ والاستشهاد؛ والرهن الخ، حتى إذا أستوفى هذا البيان العام وأعطاك الصورة الإجمالية للسورة، أنتقل بك من العام إلى الخاص، وقدم إليك صورة صحيحة دقيقة لفهم روح القرآن وبيان أسراره. وعرض تفسير الربع الأول من سورة البقرة أبدع عرض؛ وعلى هذه السنة أستن عمله في آل عمران والنساء. فيا حبذا لو أخذ علماؤنا يعالجون القرآن تحت هذا الضوء، ويقدمونه على هذا الأسلوب، لقربنا إذن الشقة بينه وبين الأذهان التي بعدت بها ظروفها عن الدراسات