معي أن رعاية شئون حكومتي، تقتضيني ألا أتشاغل عنها بالانقطاع لاستظهار مثل هذا التاريخ الكبير؟!.
ومن ناحية أخرى. . . ألا ترون معي أنني - بعد انسلاخ هذه السنوات الطويلات التي كنتم اثناءها تعلمون - قد بلغت (منتصف طريق الحياة) على حد تعبير أحد الشعراء الفارسيين!
وبافتراض أنني كنت من المعمرين، فإن ذلك لا ينفي استحالة قراءة سفر بالغ الضخامة كهذا السفر الجليل!
ولا احسبني قد جانبت الصواب، حين قدرت - للوهلة الأولى التي استعرضت فيها عيناي أجزاء هذا الكتاب - أن مصيره القبوع كالجثة الهامدة في خزانة كتبي!
لهذه الأسباب متآزرة - وددت لو تكرمتم بمحاولة اختصاره، مستهدفين أن تجعلوه في مقداره في مضاهاة الحياة البشرية القصيرة!
فأشتغل العلماء - عشرين سنة أخرى - بالتضييق - قدر الطاقة - من مشتملات الكتاب الضخم. . . الهائل الحجم، نزولاً منهم على رغبة الملك؛ واذ حققوا ما أراد، توجهوا إليه - للمرة الثانية - في قافلة صغيرة من ثلاثة جمال، محملة أسنمتها بألف وخمسمائة جزء من السفر العظيم!
وقال (سكرتير الأكاديمية):
هذا هو يا مولاي عملنا الجديد، نقدمه بين يديكم الساعة، ونحن على بينة من أن هذا الاختصار، لم يمس قط جوهر الكتاب، ولم يهبط قط بمستواه.
فأجاب الملك:
- هذا بديع. . . ولكن، يؤسفني، ويحز في نفسي أن أصارحكم القول باستحالة قراءة هذا التاريخ الجامع بالرغم من هذا الاقتضاب. . . ذلك أنني قد هرمت، وغدا مما يهبط شيخوختي ويوهن من أنسجة بدني، أن يفرغ ذهني الكيل للجهود الكبيرة، فعسى ألا أكون قد كلفتكم شططاً لو رجوتكم - للمرة الثانية - أن توجزوا. . . وتمعنوا في الإيجاز، وأن تجعلوا بالكم إلى تركيز المباحث وحذف العقول!
لم يسع هؤلاء الرجال المثابرين إلا الإذعان، فاشتغلوا - للمرة الثالثة - بإخراج السفر