للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إبسن، كان في شبابه عالماً في الكيمياء. وثالثهم وهو الكاتب الإنجليزي ويلز درس الكيمياء ايضاً في شبابه، ثم التحق بجامعة لندن ونال منها درجة في العلوم ثم عين بها استاذاً للباتولوجيا!.

ليس عجيباً أن يكون الرجل منوع المواهب فيكون عالماً وأديباً وفيلسوفاً في وقت واحد، ذلك لأن بعض المفكرين يمتازون بالجمع بين ألوان من العلم متعددة، وضروب من الفن مختلفة، لأنهم وهبوا من سعة الأفق وخصوبة الذهن وصدق الإحساس ووفرة التجارب ما يؤهلهم لأن يشقوا طريقهم في هذه الميادين جميعاً، ولكن الشيء الذي لا شك فيه أن الموهبة الأصيلة تطبع ناحية من نواحي التفكير بطابعها القوي المتميز فتطفي على كل ما عداها من مواهب، ويتجلى فيها الإعجاز في أروع مظاهرة وأخص مزاياه. . . والدليل على ذلك أن يتحول رجل مثل جيته من العلم إلى الأدب، فيصل بنبوغه فيه إلى الحد الذي دفع كارلايل إلى وصفه بأنه أعظم أدباء العالم بلا أستثناء، وأن يهجر رجل مثل إبسن العلم إلى الأدب ويعالج كتابه الدرامة فيعده النقاد واضع الدعامة الأولى للأدب المسرحي الحديث، وأن يشفف رجل كويلز بالدراسات الأدبية، فتكون مؤلفاته في ميدان هذه الدراسات سلمه الوحيد إلى معارج الشهرة والنبوغ!

إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا: لماذا تهيأ لهؤلاء الأدباء من النبوغ وذيوع الأسم في رحاب الأدب ما لم يتهيأ لهم في رحاب العلم؟. . . ليس هناك غير جواب واحد هو أن مواهبهم الأصيلة كانت أدبية لا علمية، والدليل على ذلك أنهم انحرفوا بها في بادئ الأمر عن طريقها الطبيعي فلم تنتج الإنتاج المرتقب الذي يناسب ذكاءهم، وذلك في ميدان العلم. . . فلما عادوا بها إلى ميدانها الأصيل وهو ميدان الأدب، استطاعوا أن يشقوا طريقهم في قوة حتى وصلوا إلى مرتبة الخلق والإبداع! ومثلهم في رأيي كمثل البذور التي يلقى بها في تربة لا تلائم طبيعة نموها، فهي قد تنبت وتنمو ولكنها في الغالب لا تثمر. . . فإذا ما ألقى بها في التربة الصالحة نمت واشتدت أعوادها وأثمرت الثمر الشهي المرتقب في مثل حالتها هذه الجديدة، ومن الممكن أن نصف هؤلاء العباقرة الذين تمثلت فيهم ظاهرة انحراف المواهب في شبابهم، بأنهم كانوا بذوراً أدبية ألقى بها في العلم فلم تكتب لها الحياة.

وسؤال آخر يتبادر إلى الذهن في انتظار الجواب. . . لماذا ينحرف بعض أصحاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>