غير)؛ فقال: والله يا مسكين، ما أرضاه أن يقبل يدي فضلا عن أن أقبل يده. يا قوم، أنتم في واد وأنا في واد، والحمد لله الذي غافاني مما ابتلاكم به). وبينما هو في طريقه إلى مصر مر بالكرك؛ فسأله صاحبها الإقامة عنده، فرأى العز أن الانتفاع به سيكون محدوداً في مثل هذه المدينة، فقال له: بلدك صغير على علمي، ومضى إلى مصر فقدمها سنة ٦٣٩، وأستقبله علماؤها بالإجلال والإكبار، وبالغ عبد العظيم المنذري حافظ مصر في الأدب معه، وأمتنع من الفتيا لأجله، وقال: كنا نفتي قبل حضوره، أما بعد مجيئه فمنصب الفتيا متعين فيه. وتلقاه الصالح أيوب عدو الصالح إسماعيل خير لقاء وأكرمه؛ وولاه خطابه جامع عمرو بن العاص بمصر والقضاء بها وبالوجه القبلي، وفوض إليه عمارة المساجد المهجورة بمصر والقاهرة، فقام بالمنصب أتم قيام، وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم. وكان يسلك في الإرشاد طريقاً عنيفاً. قال تلميذه الباجي:(طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد العسكر مصطفين بين يديه، ومجلس المملكة، وما السلطان فيه يوم العيد من الأبهة، وقد خرج على قومه في زينته، وأخذ الأمراء يقبلون الأرض بين يدي السلطان، فالتفت الشيخ إلى السلطان وناداه: (يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر، ثم تبيح الخمور؟! فقال: (هل جرى هذا؟) فقال: (نعم، الحانة الفلانية يباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة؟ ّ يناديه كذلك بأعلى صوته، والجند واقفون، فقال: يا سيدي، هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي)، فقال: أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة. فرسم السلطان بأبطال تلك الحانة. قال الباجي: سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان وقد شاع هذا الخبر: يا سيدي كيف الحال؟ فقال: يا بني، رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه؛ فقلت: يا سيدي، كيف الحال؟ فقال:(والله يا بني، استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان قدامي كالقط). وحدث أن أستاذ دار الصالح وهو فخر الدين عثمان بن شيخ الشيوخ عمد إلى مسجد بمصر فعمل على ظهره بناء لطبل خانة، وظلت تضرب هنالك، فلما ثبت هذا عند الشيخ عز الدين أمر بهدم ذلك البناء، ومضى بجماعته وهدمه، وأعلم أن السلطان والوزير يغضبان، فأسقط عدالة الوزير، وعزل نفسه عن القضاء. فعظم ذلك على السلطان، وقيل له: أعزله