عن الخطابة، وإلا شنع عليك على المنبر كما فعل في دمشق فعزله. وقد أمضى الخليفة المستعصم ببغداد حكم عز الدين في فخر الدين، فلم يقبل رسالة عن السلطان كان راويها للرسول أستاذ الدار.
أقام عز الدين في منزله يشتغل عليه الناس، ويدرس، وأخذ في التفسير في دروسه، حتى إذا بنى السلطان المدرسة الصالحية فوض أمر تدريس الشافعية بها إلى عز الدين.
وكان العز مع الفقهاء الذين قدموا على المعظم توارن شاه، وناظرهم السلطان، وشهد معركة المنصورة سنة ٦٤٨ مجاهداً في سبيل الله، ولم يزل مرعى الكرامة في عصر السلاطين، يعتمدون عليه ويستشيرونه، ويأخذون برأيه، ومن ذلك أن التتر عندما هاجموا البلاد الإسلامية جمع المظفر قطز القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه في أمر التتار، وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم، فحضروا في دار السلطنة بقلعة الجبل، وحضر الشيخ عز الدين والقاضي بدر الدين السنجاري قاضي الديار المصرية، وغيرهما من العلماء وأفاضوا في الحديث، فكان الأعتماد على ما يقوله أبن عبد السلام. وخاصة ما قال أنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الترعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شئ، وتبيعوا ما لكم من الأدوات المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر الجند على مركوبهم وسلاحهم، ويتساووا هم والعامة. وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في ايدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا.
وكان الظاهر بيبرس يعظمه، ويقف عند أقواله وفتاويه، وأقام الخليفة بعد استشارته، ومما يدل على منزلته الرفيعة أن الظاهر لم يبايع المستنصر والحاكم إلا بعد أن تقدمه عز الدين ثم تلاه السلطان ثم القضاة.
وفي عهد الظاهر بيبرس في ١٠ جمادي الأولى سنة ٦٦٠ مات عز الدين بعد إن أكثر من عشرين عاماً قضاها في مصر يحيط به الإكبار والإجلال. ويقال: إن السلطان ارسل اليه لما مرض، وقال له: عين مناصبك لمن تريد من أولادك، فقال عز الدين: ما فيهم من يصلح، وهذه المدرسة الصالحية تصلح للقاضي تاج الدين ففوضت اليه. وشهد الظاهر بيبرس جنازته، وصلى عليه، وحضر دفنه، كما شيعه الأمراء والخاصة والأجناد وطبقات