والذي يهمنا على وجه التخصيص أنه قد نشأ عن انتشار التصوير الحائطي الاقتصار في صور المشكاوات على المناظر العاطفية الحية، فترى ما يسجل الوداع بين حبيبين أو لقاء بين عاشقين أو ممرضة تضمد جراح محارب تحنو عليه، وغير هذه وما يمت اليها بصلة، هذا إلى جانب تصوير الورود والأزاهير والفاكهة.
أما إذا سجل الفنان مناظر قصصية فإنه يقتطف أحد مواقفها ويكتفي به للتسجيل، فظهرت المصورات بسيطة الموضوع ظاهرة الغاية على نقيض المراحل الأولى، وطبيعي أنه كلما كانت الفكرة محدودة وكان المعنى ظاهراً؛ كلما أمكن الحكم على مقدرة الفنان وتقدير مدى نجاحه، لأن المساحة وإن تكن محدودة إلا أنها تسمح عندئذ بإظهار قوة الفنان من خلال رقة الخطوط التحديدية وقوة تعبيرها فضلا عن بيان الأجسام في مرتبة من الإتقان تفصح عن رشاقتها وقوة تأثيرها على المشاهد المتأمل.
واستخدم في هذه المرحلة لون الذهب واللون الأزرق والأبيض، وخصصت لأجزاء معينة من صور الجسم الإنساني على الزهريات الصغيرة التي كانت تستعمل في تجميل الحجرات.
ولم يبق من نماذج المشكاوات الملونة شيئاً حفظ مستواه الفني حتى القرن الرابع ق. م إلا النوع المسمى وهي التي كانت توضع في الجبايات والى جانب المقابر.
ومنذ منتصف القرن الرابع وبعده بقليل أخذت زهريات أتيكا تختفي، وحلت محلها مشكاوات جلبتها أثينا بغية تصديرها إلى الخارج لا سيما إلى الجزء الجنوبي الغربي من روسيا، وأهم المدن مثل ياستوم وأبوليا وكانوزا وكايو , , , وقد تشابه الإنتاج الفني للزهريات التي عملت بهذه المدن مع نظائره التي عملت في اتيكا - ولكن هناك فوارق فنية جديرة بالتنويه، إلا وهي خشونة الطين المعمولة منه، وظهور المصورات ضعيفة الخطوط مع الإكثار من الزخرفة لتغطية الضعف، مثلها في ذلك مثل المغني الذي يلتزم الاختفاء بصوته وسط الدربكة الموسيقية! وظهرت الزخارف الخطية والخيالية التي تذكرنا بالمشكاوات المبكرة، على حين ظلت الأتيكية على جانب كبير من الذوق الفني، ولعل زهريات أبوليا كانت أبدع ما نذكره، فمن بينها ما لا يزال مشهوراً بجماله وحسن تكوينه وطول عنقه في انثناء كعنق البجع.