متواضعاً عليها خالية مما يثير الشعور، بل إنها كانت خالية مما يبعث في النفس حب الجمال أو ما يسمو بالمشاهد فوق المستوى العادي.
عرف الإغريق آثار الفن الأولى، ولكنهم أبوا أن يجتذبهم ما أجتذب الفينيقيين والإنرسكانيين الذين اقتصروا على تقاليدها والنسج على منوالها. ذلك لأنه قد قامت في نفوس الإغريق عقيدة هي في طبيعتها أقرب إلى الوجدان منها إلى العقل وهي استحداث فن إنساني كامل!!.
وللبيئة الطبيعية والأجتماعية آثار ظاهرة في نهضة الإغريقي، وسواحلهم الممتدة وكذلك مرافئهم ونهضتهم التجارية، كل هذا مما زاد في جدهم لا سيما في منطقة الشواطئ الشرقية حيث كانت فينيقية ومصر وغيرها من الشعوب الشرقية ذات المدنية واقعة بالقرب منهم.
وهكذا كانت طبيعة البلاد وأحوال الأجتماع مما مهد السبيل إلى إيقاظ الفكر الإغريقي النابت في أرض أوربية ذات جو (شرقي) معتدل.
هذا بيان لم يكن منه بد - وفي اعتقادي أن مرسل الخطاب لم يستمع الراديو إلى حديث حضرة الأستاذ الكبير شفيق غربال بك في معرض الكلام عن الكتب الأوربية الحديثة، فلو أنه أستمع إليه عندما أشاد بذكر الإغريقوالعقلية الإغريقيةوفضلها الدائم على العمل البشري لما وجه اليّ خطابه.
والآن أقول إن مصانع الفخار في أثينا انتهت فجأة عقبة الحروب الفارسية التي ألهبت العقل الإغريقي وأيقضت أحاسيسه الدفينة مما عاد على الفن الإغريقي بالخير العميم!
وإذن لم يكن غلق مصانع الفخار في أثينا نتيجة لاستحالة تصدير المشكاوات إلى وسط - يتبادر إلى الذهن، بل نتيجة لأتجاه المصور إلى المساحات الفسيحة على الحيطان بدل المساحات المحدودة على الزهريات، فعلى حيطان المعابد الأثينية وردهات المباني العامة صورت المناظر العظيمة (سيكون للتصوير الإغريقي بحث خاص) وأخذ موضوع الإنشاء الفني يظهر كامى في الأفق، والأنسجام بين أجزاء القصة الواحدة متوافراً.
ولكن هذا - مع الاعتراف بأثره الانقلابي العظيم - لم يكن قضاء مبرماً على فن المشكاوات، ولكنه قضى على مبدأ تسجيل أسماء الفنانين عليها كما لو كان الفنان يترفع عن كتابة أسمه على مساحة بسيطة محدودة بالقياس إلى الصور الحائطية الهائلة.