واستمساكا بهذا الرأي، فهي رواية ولدت وترعرعت في ظل حكم المماليك الجراكسة من غير أن يكون لها سند من تاريخ، أو مرجع تعتمد عليه.
ومن هذا القبيل ما شاع في كتب بعض المؤرخين الذين عاشوا في عهد المماليك واتصلوا بهم مثل ابن خلدون من إطلاقهم اسم جبال الشركس على جبال القوقاز أو تسميتهم شعوب القوقاز جميعا شراكسة فإنه اصطلاح حديث نشأ في ظل سلطان المماليك الشراكسة، وانتشر في عهدهم.
وفي ظني أن هذه الرواية التي أوردها البدر العيني، وهذا الاصطلاح على تعميم اسم الجركس على جميع القوقازيين ما هو إلا من قبيل التقرب إلى السلطان الجركسي والتزلف إليه، لأن معظم هؤلاء المماليك - أو كلهم - كان من أتى بهم من سواحل البحر الأسود حيث مساكن قبائل الجراكسة. ومن هذا القبيل أيضا تلك الدعوى الطويلة العريضة التي كانت تزعم أن الجراكسة من قريش! وألفت في يوم من الأيام لاثباتها الرسائل؟!
على أن البدر العيني - حسب رواية الأستاذ - يبدأ كلامه بدءاً غير موفق إذ يقول: ومن الترك الجركس الخ. فهل يسلم الأستاذ مع البدر العيني أن الجركس من قبائل الترك؟
ثم إنك - يا سيدي الأستاذ - بعد أن تفرغ من رواية أسطورة البدر العيني وشرحها وتوجيهها كما تشتهي قلت:
(واتبع البدر العيني المصطلح القديم، وهو إطلاق الجركس على القبائل الأربع التي في جوانب جبل القوقاز).
فأي مصطلح قديم هذا الذي تشير إليه؟ ومن الذي ذكره وقال به قبل البدر العيني؟
وأما تفسير كلمة (جركس) وادعاء أن اصلها الكريم جهاركس. ومعناها في لغة الفرس الرجال الأربعة فإنه لا يهمنا في الموضوع الذي نحن بصدده قليلا أو كثيراً؛ لأن هذه الدعوى وهذا التخرج مهما قيل فيهما لا يزيدان ولا يرجحان على محاولة سابقة لشرحه كلمة (الجركس) فقد زعم زاعمون من قبل أن أصلها مركب من كلمتي (جرا)، (كسا) وأن المرحوم (كسا) كان من أشراف قريش، فجنى جناية وهرب إلى القوقاز، وأقام بها، وعلى هذا يكون أصل الجراكسة من قريش!
هذا تعليق حاولت أن أجعله وجيزاً جهد الطاقة على ما دعوته نصوصا تاريخية، وما هي