ويستدل من وصف الشيخ لبعض المدن التي اجتازها أن (حاصبية) كانت حينذاك قرية يقطنها الدروز وهي الآن مئة وخمسون ألفا، لم تكن سوى قلعة حصينة على ساحل البحر المتوسط. ووصفه هذا لحيفا ينطبق على وصف معجم البلدان، بعض الشيء. فقد جاء في معجم البلدان (ج٢ - ص٣٨٢): (حيفا غير ممدود، حصن على ساحل بحر الشام قرب يافا، لم يزل في أيدي المسلمين إلى أن تغلب عليه كندفري الذي ملك بيت المقدس سنة (٤٩٤هـ) وبقى في أيديهم إلى أن فتحه صلاح الدين في سنة (٥٧٣هـ) وخربه).
ويصف لنا الشيخ زيارته أكثر من مرة للخليل، ويذكر كرومها، ويستدل من هذا أنها كانت محاطة بكروم العنب وهو حالها اليوم.
ويذكر الشيخ فيما يذكر أن الأمر السلطاني صدر باسم والدته لتعير قناة الماء إلى الحرم القدسي. وهذه القناة ليست حديثة فقد جاء في الأنس الجليل ج٢ - ص٣٨٧ عند ذكر الأمير تنكر الناصري نائب دولة المماليك في الشام (وهو الذي عمر قناة الماء الواصلة إلى القدس، وكان ابتداء عمارتها في شوال سنة (٧٢٧هـ) ووصلت إلى القدس ودخلت إلى وسط المسجد الأقصى في أواخر ربيع الأول سنة (٧٢٨هـ) وعمل البركة الرخام بين الصخرة والأقصى) وتعرف هذه الآن بالكأس، ويظهر ان هذه القناة خربت، فعمرت مدة ثانية كما يذكر الشيخ. وهذه القناة تمتد من برك سليمان إلى الحرم وتسيل بالانسياق لعلو برك سليمان عن الحرم القدسي، وهي من حجر.
والظاهر أن الشيخ كان أباً عطوفاً، فقد سر كثيراً بابنته (علما) وحزن حزنا عميقا عند وفاتها وهي لا تزال طفلة، فقد سر وقد رزق ولده محمد كمال الدين في القدس. ولقد كان الشيخ يزور مقام (علي بن عليل) وهو من نسل عمر بن الخطاب، ويعرف بسيدنا علي بن عليم عند العامة، وله موسم يقصده الزوار كل عام.
ويسجل الشيخ بألم ظاهر في هذه الرحلة وفاة فطبين عظيمين تتلمذ عليهما، وكان يحترمهما أبلغ احترام أولهما الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي القطب الكبير وصاحب الرحلة إلى القدس سنة (١١٠١هـ) ويعتبر الشيخ من أخلص تلاميذه، والثاني العمراني، والمؤلف القطب، وهو من أبرز رجال القرن الثاني عشر في فلسطين.