خبرة عملية في الحب. . . واسمح لي أن استخدم هذا التعبير. . .
وأنا قد حرصت منذ أول يوم حاولت فيه تأريخ الرافعي أن أكون (راوية). . . رواية فحسب، لا فراراً من تبعة الرأي، بل مبالغة في التجرد عند تأريخ حياة لم يزل صداها يرن في أذني وأنفاسها تعبق في جوى؛ ولكني مع هذا الحرص على التجرد الخالص لم أدع شاردة ولا واردة من ذكرياتي، أو من مذكراتي، عن حياة الرافعي، إلا ذكرتها؛ لتكون مقدمات الحكم ماثلة تحت عيون الباحثين من أهل الأدب حين تتقادم السنون ويصير الرافعي تاريخا خالصاً لا تخلتط به أصداء الذكريات الحية في نفوس بعض الذين عاصروه أو استمعوا إلى حديثه أو اتصلوا بحياته من قريب أو من بعيد، وستجد يا صديقي في الفصل الطويل الذي تحدثت فيه عن (حب الرافعي) من كتاب (حياة الرافعي) من أسباب العلم بهذه (الحادثة) ما يهئ لك أن تحكم وأن تكون في هذه القضية صاحب رأي.
أما (رأيي) أنا؛ فأني حتى اليوم - وقد مضى على وفاة الرافعي - أحد عشر عاماً وأشهر - ما أزال أشعر أني منه قريب قريب بحيث لا يتهيأ لي أن أكون في قضية من قضاياه صاحب رأي مجرد. . .
ولكن ما أزال مع ذلك أصر على أن الرافعي - رحمه الله - كان يحب مي صدراً من كهولته وإلى آخر عمره، حبا ما. . . وأنها أحبته ذات يوم. . . حباً ما؛ ولكن حبها إياه قد انتهى قبل أن ينتهي حبه، أعني قبل أن ينتهي عمره!
والسلام عليك.
محمد سعيد العريان
هذا ما تفضل بكتابته إلى صديقي الكبير الأستاذ محمد سعيد العريان، وحقا كنت أعنيه، فهو مؤلف (حياة الرافعي) ولكني كنت أطمع أن يبدي رأيه من حيث كتابة الرافعي في الحب ودلالتها على صدق العاطفة أو عدم صدقها، مع الملابسات الواقعية التي يعرف دقائقها، ولكنه آثر التجرد. . . وأود أن تتاح الفرصة ليتجرد من هذا التجرد ويكتب (أدب الرافعي) الذي لا بد أن يتضمن فصلا في حب الرافعي، وعندئذ لا يستطيع أن يتجرد من الخبرة العملية في الحب. . .