أما حديثنا، فقد التقينا فيه حول الكثير، وافترقنا حول القليل، والفضل في ذلك أيضاً منسوب إليك؛ لأنك حين رحت تقص على كثيراً من المؤثرات النفسية والدوافع الوجدانية، تلك التي يستجيب لها قلمك ويخضع لها فنك، وضعت بين يدي كثرا من الوثائق التي يحتاج إليها الناقد، إذا ما أراد أن يقيم الميزان للعمل الفني مرتبطا بشخصية صاحبه، ومتصلا بأسباب النفس والحياة. . . ومن هنا حلت نظرة جديدة إلى فنك محل النظرة القديمة، تلك التي لم يكن أمامها لنتظر إليك غير طريق واحد، كل معالمه سطور وكلمات!
ما قصدت من وراء هذا المقال إلى أن أسجل ما دار بيني وبينك من نقاش حول طبيعة الفن ورسالة الفنان، وحول أمور أخرى تطرق إليها الحديث، لأنها تتصل بنقاش من قريب أو من بعيد، إن لذلك كله مناسبة أخرى أرجو أن أعرض فيها لكثير مما اتفقنا أو اختلفنا عليه. . .
كل ما أقصد إليه هو أن أكشف لقراء الرسالة عن ناحية من نواحي شخصيتك الأدبية والإنسانية تركت أثرها البعيد في نفسي؛ ومن حقك على أن أشير إليها في كثير من التقدير والإعجاب، وهي دعوتك المخلصة إلى توثيق عرى الصداقة في الأدب، وإيمانك العميق بجدوى الصفاء بين الأدباء. . .
واذكر أنك كتبت في هذا الموضوع مرة في (الرسالة)، وتعرضت في سبيل تلك الغاية الكريمة لهجوم بعض أصحاب الظنون ممن لم يؤمنوا بصدق دعوتك!
أما أنا، فقد لمست حرارة إخلاصك ونبل مقصدك في موفقين لن أنساهما لك: أولهما موقفك من الصديق النبيل صاحب (الرسالة) حين قلت فيه كلمة حق لا أدري لم غصت بهاحلوق فلم تنطق بها شفاه! وثانيهما موقفك من الدكتور طه حسين، حين لم يجد كلمة عزاء تنسيه وحشة الطريق وتنكر الصديق؛ لقد وفقت وحدك لتصافحه بروحك من وراء الآماد والأبعاد. . .
إنك بكلمتيك هاتين قد أقمت الدليل على أن الدنيا ما زالت بخير، وأن أصحاب الفضل لن يعدموا من يقول فيهم كلمة الحق، ولو حال بينها وبين الجهر بها كثير من الدوافع والأغراض!