لقد كان حديثنا في آخر لقاء يدور حول هذا الموضوع لا يكاد ينأى عنه حتى يعود إليه. . . ولقد قالت لك فيما قلت: ليتنا يا صديقي نملك كثيرا من أمثالك؛ أولئك الذين يحفظون عهد الصديق، ويلتمسون سبل الخير، وينشدون وجه الحق، ولكن أين هم؟ أين من يطلق رأيا كرأيك بكلمة صدق تقال في الزيات؟ وأين من يرفع صوتا كصوتك بكلمة عزاء توجه إلى طه؟! لقد انتظرت رجع الصدى لما كتبت، فضاع الأمل وخاب الرجاء! أما أنت فقد أخجلتني حين قلت لي: يا أخي، حسبي أنك تقف إلى جانبي. . .
وحين رحت أقص عليك بعض ما أعلم وتعلم من جدوى الصداقة على الأدب، متمثلا ببعض النماذج الإنسانية في أدب العالم، عقبت على ذلك بقولك: يا أخي، إن الأدب الرفيع حق كله، وخير كله، وجمال كله. . . فلم نشوه الحق بالضغائن، ونطمس الخير بالسخائم، ونفرش طرق الجمال بالأحقاد؟! إننا نقبل هذا في دنيا السياسة، لأن رجالها قوم مشدودون إلى الأرض، ينظرون إلى يومهم وما فيه من أسلاب، ولا يتطلعون إلى غدهم وما فيه من أمجاد!
أما في دنيا الأدب، فما أوسع الشقة وأبعد الفارق، إن رجال الأدب قوم تربطهم بالسماء خيوط إلهية غير منظورة، وما أحرى المتصلين بالسماء أن يكونوا قدوة حسنة لهذا الجيل الصاعد في صفاء النفس ونقاء السريرة وشرف الغاية. . . .
ترى لو فقد الجيل الصاعد إيمانه بنا، نحن الذين أقمنا من أنفسنا هداة ندله على مواطن الخير ونرشده إلى معالم الطريق، فماذا يبقى له ليؤمن به؟!
لو تحقق الصفاء في الأدب لما أنكر حق من الحقوق، ولما ضاع قدر من الأقدار، ولما اختل في تحديد القيم ميزان!
يا صديقي توفيق، مرة أخرى أعود فأقول لك: ليتنا نملك كثيرا من أمثالك، أولئك الذين يحفظون عهد الصديق، ويلتمسون سبل الخير، وينشدون فيما يقولون وجه الحق.