قلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت، ولكن الرماح أجرت
ولكن ما عذر هؤلاء الشعراء الذين رأوا رماح قومهم تنطق الأخرس، حتى هذه الرماح التي أجرت كان على الشعراء أن يبكوها، وان يستنهضوها، كما يقول أحدهم.
أنظر إلى السودان إن ... به شباباً ناهضين
قعد الزمان بهم وما ... هم بالشباب القاعدين
غير أن الذي يعزونا أن الشعر العامي لا يزال يحتفظ بقوته في هذا المعنى، فلو هيئ لباحث أن يدرس الشعر العامي وأن يتبيناتجاهاته لظفر بشيء كثير من صور الحياة التي يحياها هؤلاء. ولقد اطلعت على شئ من شعر السودان العامي فرأيت فيه تصويرا دقيقا لبعض ما يكتف القوم، وخيل إلي أني لو استطعت أن أظفر بمجموعةمن هذا الشعر لتمكنت أنأنقل عنها كل مظاهر الحياة في الريف السوداني.
أما الشعر المعرب فالبون شاسع بينه وبين ما تضطرب به الحياة من شتى المظاهر والاتجاهات ولا سيما في أوائل هذا القرن، فإن الشعراء الذين عاشوا منذ ثلاثين سنة حصروا أنفسهم في دائرة ضيقة جدا أكثرها احتذاء للشعر القديم في في أغراضه، ولكن حين تقدم الزمن، وبدت مظاهر النهضة تأخذ طريقها إلى الحياة، وكانت بقية من هؤلاء الشعراء لا تزال تنعم بنسائم السودان البليلة الرخية، وتشرب من ماء النيل العظيم، لم تجد هذه البقية بدا من أن تشارك ناشئة الشعراء في الحديث عن هذه المظاهر، وإن بقيت من ناحية الأسلوب والمعنى وكثير من الأغراض متشبثة بأذيال القديم. والدارس يلاحظ أن هؤلاء الشعراء كانوا يصلون إلى هذه الأغراض بطريقة ملتوية، فكانوا يتخذون المناسبات الدينية والمدائح النبوية سلما إلى ما يريدون، فينفسون بذلك عن بعض الرغبات المكبوتة في نفوسهم، وإن بقيت أقلامهم مجفلة عن تصوير المجتمع، بل منهم من كان يرى أنه من غير اللائق أن يتحدث الشاعر عن مثالب قومه، ثم تقدم الزمن خطوة أخرى فرأينا الشعراء يدخلون المجتمع من باب أوسع فيتنا لونه من نواح كثيرة، أرهفوا آذانهم، وفتحوا أعينهم، لما يحدث أمامهم من خير وشر، فصوروا بعضا وأمسكوا عن بعض وكان للتعليم نصيب كبير من عنايتهم، فلا تفتح مدرسة، ولا يتخرج فوج جديد من كلية حديثة، ولا تنشأ فرقة تمثيل إلا قالوا، وهنأوا البلاد، وتمنوا لها الخير والتقدم، كما كان للغة العربية قدر وفير من