اهتمامهم، وكذلك ألمحوا إلماحات خفيفة إلى بعض ما يسطر على العقول من خرافات. وهنا اعتب على شعراء الأمصار عتبا شديداً. وأرى أنهم أغضوا عن تقاليد غير طيبة كان يجب أن يحاربوها كما حاربتها الحكومة، وكما حاربتها الأذواق السليمة، وأهمس في أذن الشاعر الصالح الشيخ عبد الله عبد الرحمن الذي يقول:
سأبلغ جهدي في القصائد حرة ... على أن الشعر في الشعب ضائع
فروض أؤديها وشكوى أبثها ... وما أنا ذو بأس وما أنا طامع
والذي يقول:
خذوها بني أمي قوافي عاتب ... عليكم بها (لا عن جفاء ولا صد)
فواق ألقاها من الوحي صادقاً ... وأرسلها من حيث تجدي ولا تجدي
أهمس في أذنه كيف فاته أن يؤدى فروض الشعر في هذه التقاليد، وكيف لم يرسلها دون أن ينظر أتجدي أولا تجدي؟ وأين جهده الذي بلغه في هذا الذي أشير إليه؟ كما بلغ جهده في نواح أخرى كثيرة.
أليس بعجيب أن يقف الشعراء على الشاطئ، ويجفلوا عن الخوض في آمر هي القذى في الأعين، والشجي في الحلوق.
بعد هذا نريد أن نستخرج بعض مظاهر للمجتمع السوداني من دواوين الشعراء، وأنا أحصر طرفي هنا في ديوانين اثنين، وبعض مقطوعات أخرى، وأنا مضطر لهذا، فن جهة لم يهيأ بي أن أحصل على كل الدواوين التي خرجت، والشعراء لم يساعدوني بإرسال شئ من أشعارهم منذ بدأت اكتب هذا البحث؛ ومن جهة أخرى لم أجد فيما اطلعت عليه من شعر ما يعينني في هذه الناحية إلا هذان الديوانان، فالأول ديوان (الطبيعة) للشاعر حمزة الملك، فإن فيه صورا صادقة، من ذلك صورة (الحاوي) وقد التفت حوله الناس فخدع أبصارهم، بل خدع الشاعر نفسه حيث يقول:
قد رأيت المحال رأى عيان ... ليس في حاجة إلى برهان
رجل كالرجال جاء بما يع ... جز عن فعله بنو الإنسان
بأمر الماء بالوقوف فينص ... اع، وإن شاء لج في الجريان
بضع الشيء في يديك فتل ... قاه على الرغم منك في يد ثان