يفسده على الدراسة الجامعية، فما بالك إذا دلل الكبار في الجامعة؟
أما آباء التلاميذ وأولياؤهم - من أبناء هذا الشعب المكدود - فهم مساكين. يوشكون أن يلقوا في المدارس ما يلقى الناس في المستشفيات من أطباء يتراخون في المستشفى وينشطون في العيادة!
وأما المعلمون فهم أشد مسكنة من الجميع، لأنهم يجدون أنفسهم مضطرين إليها مع ما تصيبهم به من الإرهاق وما تسببه لهم من قعود عن الاطلاع وتزويد أفكارهم وأذهانهم بما يفيد ويمتع من ألوان الآداب والعلوم والفنون.
إن المعلم على رغم ما ناله في السنوات الأخيرة من تحسن طفيف، لا يزال يلقى العنت في حياته المادية، فهو قلق في هذه الحياة التي لا يوصله فيها مرتبه إلى مطالب عيشه الضرورية، فهو إذ يلجأ إلى الدروس الخصوصية لا ينبغي أن يواجه بالمنع أو العقاب ويسكت على ذلك، بل يجب أن ييسر له العيش الكريم تيسيراً يحفظ عليه كرامته يصل به إلى مستوى يستطيع فيه أن يستغني عن هذه الدروس الخصوصية، فإذا سعى إليها طامع جشع ردع بما يستحق من العقاب.
ولا يكفى في حل هذه المشكلة أن يحدد ما يباح لكل مدرس من عدد الدروس الخصوصية، بل يجب أن تحسم بالتحريم القاطع، إلا فيما عسى أن يكون من ضرورة تلجئ إليها حالةالتلميذ. وثمة نقطة لابد من الالتفات إليها، وهي أن المعلم لا يعطى دروساً خصوصية لأن عنده فضلا من جهد ونشاط، فهو مرهق في المدرسة ولا شك، وإنما تبعثه إليها الرغبة في رفع مستوى عيشه، فلا يصح أن يكون من علاج مشكلة الدروس الخصوصية أن يزاد عمله في المدرسة وتضاف حصص إلى (جدوله) بل أنا أذهب إلى عكس ذلك فأقول بالتخفيف عنه ليتاح له أن يعالج في نفسه مشكلة الاطلاع والتزود الفكري، وأبيح لنفسي ـ ولست بعيداً عن المعلمين ـ أن أقول صراحة إنهم يعيشون في اجداب فكري يهدد مستقبل الثقافة في هذه البلاد، وهم يدورون في المدارس دورات آلية تتكون كل منها في حجرة المدرسين حيث يبدأ بنقل ما في الكتب المدرسية إلى دفاتر التحضير ثم يلم التلاميذ شعثها ويضعونها في كراساتهم التي يحملها المعلم إلى حيث بدأ للتصحيح. . . ويتم كل ذلك بطريقة آلية مكررة لا تجديد فهيا، وأكاد أقول: ولا تفكير!