الدوبيت، والقومة، وكان وكان، والمواليا. وتعتبر هذه الفنون الثلاثة الأخيرة - عند البعض - مستقلة عن الزجل. ومهما يكن من شيء، فإنها جميعا تجمعها صفة العامة، ومغايرة الشعر الفصيح.
وقد برز الزجل - على ما رواه ابن خلدون - في بلاد الأندلس أولا، على عهد الأمويين ملوك قرطبة، وذلك بعد فساد اللسنة وظهور الموشحات، والتحلل من قيود الوزن والقافية. ونفقت سوقه في دول البربر لمكان أمرائها من العجمة، وقرب فهمتهم للعامية. واشتهر في إحدى دولهم وهي دولة الملثمين، إمام الزجالين (أبو بكر بن قزمان).
وقد سرت عدوى الزجل من المغرب إلى بلاد المشرق، ومنها مصر، فلقي بها رواجاً عظيماً، فتعددت أنواعه وأغراضه وذاع خاصة في العهد المملوكي وأقبل السلاطين والأمراء والناس على سماعه وإنشاده؛ وذلك للعجمة أو الاستعجام واستبداد العامية بالألسنة وضعف الثقافة الأدبية بعامة. وبذلك عبد السبيل أمام أهل الزجل، فنشطوا نشاطا ملحوظا، واحتفلوا بفنهم، وشاركوا الشعراء في كل ميدان تقريبا، وزاحموهم في أخص أغراضهم الشعرية بل شأوهم في بعضها، وأربوا عليهم، وسجلوا من الحوادث من الشعور ما لم يبده أو يسجله شاعر.
طرق الزجالون إذا أبواباً شعرية عدة، فنظموا الغزل البديع والخمريات الصافية، والنقد المر اللاذع، ووصفوا مناظر الطبيعة وسجلوا الحوادث العامة، والحروب الناشبة، وحمسوا ورثوا، ووقفوا على أعقاب المدن الزائلة، والأحياء الدارسة، والدول الذاهبة، فدونوا أحداثها وذرفوا الدموع على أحداثها، واستخرجوا دور الحكمة من ثناياها، هذا إلى مجون صريح، وتفكه مليح، إلى غير ذلك.
لا بدع حينذاك أن يحتفي الناس بهم ويحتفلوا بنظمهم، وأن تتقدم منازلهم عند الرؤساء والعامة. وللعامة إقبال على كل ما يمس مشاعرها، ويترجم عن خواطرها، من الأغاني والأناشيد ونحوها.
وقد روي أن النيل في عام ٩٢٢هـ بلغ حد الوفاء في فيضانه، قبل شهر مسرى، على غير عادته منذ زمن طويل، فكان هذا مثار الاستبشار ومبعث الابتهاج والفرح، فنظم بعضهم أغنية بهذه المناسبة مطلعها: