وعكس ذلك وقع في عام ٧٠٩هـ، فقد شح النيل وتمنع عن الوفاء، وكان السلطان الناصر بن قلاوون - وكان بعه عرج - قد عزل نفسه عن السلطنة، فوثب إليها الأمير (ركن الدين بيبرس الجاشنكير) وكانت العامة تلقبه (بالركين) وكان نائب سلطنته هو الأمير سلار، وأصله من التتار، وكان أجرد تغشي فاه بعض شعرات، فشاع بين العامة زجل تفكهوا به عليهما، وضمنوه عواطفهم نحوهما ونحو سلطانهم المعزول، قالوا:
سلطاننا ركين ونائبو دقين ... يجينا الماء مين
هاتوا لنا الأعرج ... يجيء الماء يدحرج
وقد غشيت الزجليات لوثات البديع، ولحقت بها علاقاته، ما بين توريات لطيفة وتلميحات طريفة، إلى تضمين وجناس وطباق ونحو ذلك. ونحن هنا نأسف أشد الأسف لعدم معرفتنا الفنية برسم الأزجال المأثورة، وعدم علمنا بلهجات نطقها، وهذا من شأنه أن يضع صعوبات جمة في سبيل فهمنا الحق لكافة معاني الزجلية، وإدراكنا التام لجميع صورها. وكأني بابن حجة قد شعر سلفاً بهذه الصعوبات فنوه بها فقال (الزجل فن فمن يتمكن الناظم فيه من المعاني، لجولانه في ميادين الأغصان والخرجات، وهو لايحسن رسمه في الكتابة إلا من عرف اصطلاحه، وقد روى زجلا فريدا لعلي بن مقاتل، يتغزل في شاب مليح خياط. ومطلعه: (نهوى خياط سبحان تبارك من الجمال جملوا) ثم قال معقبا بعد روايته (كأني بمتأمل نظر في رسم كتابة هذا الزجل، فأنكره، لبعده عن رسم الألفاظ المعربة الخالية من اللحن، ويعذر في دلك لأنه ليس له إلمام بمصطلح رسمه. ومن رسمه على غير هذا الطريق لم ينفذ له مرسوم، فإنه يؤديه إلى خطأ وزنه وإعراب لجنه. ومصنفه أبو بكر بن يحيى بن قزمان الوزير. قال في خطبته: وقد جردته من الإعراب، تجريد السيف من القراب، ولم يطلب من الزجل غير عذوبة ألفاظه وغرابة معانيه).
هذا وقد أورد ابن خلدون في أحد فصول مقدمته نماذج من الزجل، كثير منها من نظم زجالي مصر والشام في العصر المملوكي ولم ينسبه لقائله. ويفهم من حديثه أن الزجال كان يقال له (شاعر) ونقول إنه كان يطلق عليه (القيم) أيضاً. وبهذه المناسبة نذكر أن بعض