أتراه لما تقوى وطارا ... ترك العش خاويا وتوارى؟
كيف ينسى من أنقذته وقد كا ... ن يرى الموت ليله والنهارا؟
إن أضاع الذمار والعهد إنس ... فمن الطير ما يصون الذمارا
كان يمضي كما يشاء قريبا ... أو بعيدا يسابق الأطيارا
ثم تدعوه بالصغير فيهفو ... ثائر الشوق لا يطيق انتظارا
كغريب نائي الديار دعته ... فمضى مسرعا يؤم الديارا
علمته الغناء والألحانا ... فشأ الطير منطقا وبيانا
فإذا ما سمعته يتغنى ... خلته في غنائه إنسانا
وإذا ما رايته وهو يهفو ... بجناحيه حولها نشوانا
خلته عاشقا يطوف بمعشو ... ق يغنيه حيه الحان
يا له من هوى يؤلف ما بي ... ن الغريبين خلقة ولسانا
يا لهذا الغناء ترسله الرو ... ح، فيلقى من إلفها ترجمانا
حين يأتي المساء كان يغنى ... فيثير المنى بحلو التغني
فتناغي شقيقها كل نفس ... وتناجي رفيقها كل عين
وهي مسحورة تضم من الشو ... ق فراش الهوى، ومهد التثني
فإذا ما انتهى من الشد ونامت ... وبأعماقها صدى كل لحن
ثم راحت تهيم في عالم السح ... ر، ودنيا الهوى، وأفق التمني
حيث تحيا كما تشاء الأماني ... حين يسمو بها الربيع المغنى
وإذا ما الصباح هل عليها ... وهفا قلبه الرقيق إليها
فاستفاقت من حلمها غير ذكرى ... لم تزل تستكن في ناظريها
أرهفت سمعها فطارت من البل ... بل أنغامه إلى مسمعيها
فإذا قلبه يحركه الشو ... ق فيذري الدموع من مقلتيها
وإذا ما استراح قامت إليه ... وهي مسحورة تمد عينيها
فغذته بالحب من راحتيها ... وسقته بالماء من شفتيها
هكذا ظلت الحياة زمانا ... تتجلى سعادة وأمانا