للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كتب أديبنا الكبير السيد مصطفى صادق الرافعي رحمه الله وصف هذا الصحفي القدير، وكان قد كتب هذه الكلمة منذ ربع قرن يقرظ بها جريدته (الناس))

(المنصورة)

محمود أبو ريه

الأستاذ حسين شفيق المصري الذي يمتع الأمة بهذه الصحيفة (جريدة الناس) ماجن ظريف، ولو تقدم به الزمن لتهاداه الملوك والأمراء، فقام على بساط منشدا، وجلس على آخر نديما، وتقلب على الثالث مضحكا. وعربد على رابع، وجلد على خامس - ولعل الله أخره إلى دهرنا رحمة به أن يأمر أحد الملوك فيملئوا فاه ذرا بعد أن فرغ من إنشاده المعجب المطرب - ويشره هو إلى الثروة والغنى فيفتح فمه إلى أقصى الحلق فتدخل اللآلئ وتخرج الحياة.

وهذا الأديب في عصرنا غنما هو بقية فن من أبدع فنون الدب، كما كان لا ينبغ فيه إلا عقول معدودة لا تقصر في حكمة الكلام عن غاية، ولا تتخلف في ظرف البلاغة عن شأو، ولا تجيء بما تأتي إلا على الأسلوب الذي يهز النفس من طرفيها، كأن الله قد وهبها سر القدرة على ما يعسر وما يؤلم فلا تتناول معنى إلا انشق لها عن فنون غربية تهديها إلى ما فيه من الضحك الذي لا ينكشف إلا للنفس الشاعرة، والتهكم الذي لا يظهر إلا للنفس الحكيمة، والمزاج الذي لا يبدو لغير النفس الظريفة. وما الشعر والحكمة والظرف إلا أسرار ذلك الأسلوب النادر الذي لا ينقاد إلا لأعقل العقول متى أريد به استخراج المعاني المجنونة من الطرب.

فالبلاغة الظريفة الماضية التي بعضها التي من سياسة وخز الإبر، وبعضها من سياسة الظهر والعصا. . . قلما تستجيب إلا للعقول المبتكرة التي خلقت متسلطة على النفوس من اقرب جهلتها، وهذه العقول لا تسرف القوة الأزلية في خلقها، بل هي حين ترحم الناس بهاو فتجعلها قليلة نادرة. وإنك لتجد أهنأ الضحك ذلك الذي ينفجر من القلب ولكنه إن طال انفجر القلب، ولست أعرف تلك العقول إلا في كبار رجال السياسة الذين يدبرون أمر الممالك، وفي كبار رجال الأدب الذين يدبرون أمر العواطف، وفي كبار رجال الفلسفة

<<  <  ج:
ص:  >  >>