للأجانب أن يطئوا أرضهم وديارهم، ولا أن يتوغلوا خلالها بعلة إجراء بحوث علمية، واستمر ذلك إلى سنة ١١٢٧هـ عام انهزامهم النهائي بعد حروب دامت نصف قرن، ولم تمض منذ ذلك التاريخ مدة تتسع لبحوث شاملة عنهم، ولا هناك حافز قوي يحمل الباحثين على تجشم المشاق في سبيل اجتلاء حقائق عن أمة باسلة قاربت حافة الفناء، ولذا نجد كلام من يتحدث عنهم من الأجانب لا يعدو حد الحدس والتخمين إلا في الندرة. وليس بمستبعد أن يأتي يوم يغوص فيه الباحثون على ما يتعلق بذلك الجبل، ولا سيما لهجات القبائل التي أنجبها عهد الجنس الأبيض القوقاسي المنتشر في بقاع الأرض، حرصا من هؤلاء الباحثين على تعرف صلة لغات أمم أوربة اليوم بلغات تلك القبائل القديمة.
والمعلومات الوثيقة عنهم هي ما في بطون الكتب المؤلفة في عهد الدولة الجركسية بمصر، لأنها مستمدة من أبناء القوقاس مباشرة في ذلك العهد. ثم إن لبعض الباحثين من أهل تلك الجهات بعض مؤلفات عن الجبل وقبائله تنير كثيرا من أحوال القبائل. وأبناء القوقاسيين لها أدوار تجب دراسة كل دور منها بعناية خاصة، منها ما قبل التاريخ الميلادي إلى أقدم عهد، ثم من أول التاريخ الميلادي إلى الفتح الإسلامي في عهد الفاروق، ثم القرون الإسلامية في العهدين الأموي والعباسي، إلى استيلاء المغول على القوقاس، ثم صلتهم بالدولة الأيوبية، ثم تأسيسهم الدولتين البحرية والبرجية بمصر، ثم صلتهم بالعثمانيين قبل استيلائهم على البلاد العربية وبعد استيلائهم عليها وصلاتهم بشتى الدول في القوقاس وغيره. وتلك مباحث متشعبة تتطلب جهودا جبارة. ومما يجب على من يريد الإلمام بذلك أن لا يهمل المصادر الصينية وما كتبه مؤرخو الصين عن اللان والهون، لأنه سبق للصينيين أن اتسعت رقعة حكمهم إلى الجهات الشرقية من بحر الخزر. وكذلك لا بد لمن يريد أن يعرف تاريخ القوقاسيين من الإطلاع على التواريخ القديمة التي ألفها مؤرخو بزانطة لأنها تشتمل على أخبار الأقوام الآسيوية القديمة الذين اجتازوا إلى أوربة عن شمال القوقاس أو جنوبه، وهؤلاء الزاحفون من الطريقين ما كانوا كلهم من عنصر واحد ولا كلهم أتوا من الشرق الأقصى أو من جهة الشمال، بل كان القوقاسيين الذين هم في طريقهم اثر مهم في توجيههم وقيادتهم حتى أصبحت أسماء قبائل المتزعمين على هؤلاء كأسماء لجميعهم، وها هي اللانة من أسماء جبل القوقاس فيما حكاه ملطبرون وخونيه قبيلة فرعية