ولله دره إذ يقول من كلمة له، يخاطب بها القافلين من سفر الحج:
يا ليت من يسأل الحجاج القافلين من بيت الله الحرام: ألم يجدوا هنالك شيئا يهدونه إلينا غير كاس من ماء زمزم؟
وأجود شعره في دوره الثاني، كلمته الموجعة التي رثى بها صقلية حين عودته إلى الوطن. فإنه حينما مرت باخرته على تلك الجنة المفقودة عاودته الذكرى ولم يكد يملك فؤاده وعينه، فبكى ملء عينه وجاد طبعه بأبيات أبكت جما غفيرا من الناس ولا تزال تبكي ألوفا من الشبان.
ولله در تلك القريحة المبدعة التي جادت بهذه الكلمة العصماء التي أولها:
تعالي، ساعديني أيتها العين الثرثارة وابكي ما شئت دموعا ودماء فغن تربة المدينة الحجازية ماثلة أمام أعيننا.
ثم تطرق إلى ذكر العرب فهزته العاطفة وجعل يعدد مفاخرهم التاريخية:
كانت هذه البلاد يوما ما مركزا لأولئك العرب الذين كانت البحار ملعبا لسفنهم في سالف الأزمان
والذين زلزلوا عروش الكاسرة والقياصرة ... والذين كانت سيوفهم مخدعا للبرواق والرواعد
ثم تفنن في القول وقال: غن بلبل شيراز (سعدي) بكى على أطلال بغداد، وسكب (داغ) سجال دموعه على (دهلي) الشهيدة، وأدمى (ابن بدرون) فؤاده رثاءه للأندلس المرحومة، ومني إقبال الحزين بالبكاء على أطلالك وتذراف الدموع على تربتك، فكأن القدر اصطفى القلب الذي كان حريا لحبك محرما
وفي ختام الكلمة بيت، هو مروءة الشاعر وبيت فيه بيان الحقيقة، وبها تنتهي الكلمة، قال سقى الله ثراه ونضر وجهه يوم القيامة. يناجي صقلية:
اشرحي حالك وبوحي بما تكنه جوانحك من تباريح الشوق، فإني رجل قتله الحب وأضناه هوى مثلك، وبقية من الركب الذين كنت منزلهم ومحط رحالهم، سأذهب بهديتك إلى الهند وأبكي فيها أناساً، كما أنا ابكي هاهنا أمامك.