للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دراسته، مشتغلا بالبحث والتنقيب؛ لكنهم قلما تنبهوا للروح الإسلامي الذي بقي يضطرب طول إقامته بلندن وبرلين، ولم تقع أنظارهم على ذلك الشاب المسلم الذي ظل يراقب أحوالهم عن كثب، ومكث يعمل بصيرته في اكتناه أسرار رقيهم، حتى إذا رجع، رجع إلى وطنه مسلما صادقا، قد زادته التجارب قوة إلى قوته الإيمانية وأطلعته الأيام على مصير المسلمين وأسباب تقهقرهم وانحطاطهم.

ذهب صاحبنا إلى أوربا سنة ١٩٠٥ وقفل منها عام ١٩٠٨ فكث بها ثلاث سنين، مكباً على دراسته العلمية ما اشتغل في ظلالها بالشعر إلا قليلا. ولكن ذلك النزر القليل الذي فاضت به قريحته في تلك الفترة قد جاء، وعليه مسحة من الشعور الديني العميق، والاشمئزاز من مظاهر التمدن الحديث، والتبرم بالمتفرنجين من أبنائنا. وعلى ذلك فقد أحس أول مرة في أوربا بالجامعة الإسلامية وشعر بأن الوطنية الجغرافية لا تزيد المسلمين إلا تماديا في الغي وبعدا عن منهج الإسلام الصحيح. فتحولت فكرته الوطنية إلى فكرة دينية إسلامية، شاملة لكل من يدين بكلمة الإسلام. ومن هنا ترى أن شعره في هذه الفترة وعلى قلته وابسق فرعا، وأعلى جنى، وأطيب ثمرا منه في دوره الولد فتراه يقول:

نرالا سارى جهال سي اس كو عرب كي معمارني بنا ... بنا مهارب حصار ملت كي اتحاد

وطن يس الله

قد اتخذ (أي دار الإسلام) البناء العربي فنا فريدا ممتازا عن سائر أبنية العالم، فليست الوحدة الوطنية أساسا لبناء قوميتنا.

وكذلك نجده يشكو المتفرنجين المفتتنين بأوربا وبعدهم عن الدين، ويقول بأسلوبه الشعري القديم الآخذ بالألباب نعرب معناها ومجردة عن اللطائف الشعرية:

(بالأمس كان رجل ثائر يبكي ويصرخ على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن مسلمي الهند ومصر يريدون أن يهدموا بنيان الإسلام، ومهما أراد زوار حرم الغرب هؤلاء أن يرشدونا إلى الخير، فغناهم لا يمكن أن يكون لهم أي سلطان علينا، لنهم طالما غفلوا عن اتباع سننك والاهتداء بهديك).

ثم يقول في هذه المقطوعة ما يبكي له قلب كل مسلم:

(ومن يصغي إلى كلامك يا إقبال؟ فغن الزمان قد تغير وغنك تقص علينا الأحاديث البالية

<<  <  ج:
ص:  >  >>