وتثقيف المتأدبين من أهل الهند ثانياً. وأول شعر نشره باللغة الفارسية مجموعة (أسرار خودي)(أسرار فلسفة الذاتية التي يؤمن بها (إقبال) ويدعو الأمة إليها دائماً). وهذه المجموعة من شعره تحتوي على أسرار وحكم مفرغة في قالب الأدب. تبين السبيل التي يمكن بها من ترقية ملكاته النفسية حتى تخضع الطبيعة لإرادته، وينزل القدر عند مشيئته. وهذه هي فلسفة (خودي)(تربية الملكات الذاتية) التي جعلها الشاعر قطبا تدور حوله جملة كبيرة من شعره البليغ في هذه المجموعة وغيره من الدواوين. فإنه اهتم به (خودي) كثيراً ورأى أنه لا يكرم في الدنيا إلا الذي يكرم نفسه، ويرى للعالمين ما في نفسه من إباء وسموهة وعلو فكرة. ويكفيني مؤونة التطويل في شرح الذاتية (خودي) ما بينه الشاعر من ثمراتها في بيت له:
اشحذ قوتك الذاتية (خودي) وأزردها في مكانة من القوة والعلو حيث يسأل الله العبد عن مرضاته قبل أن يجعل لشيء أجلا.
لا يريد الشاعر أن الله تعالى يسأل العبد عن مرضاته في الحقيقة؛ وإنما جعل ابتغاء الله لمرضات عبده مثلا في تربية القوة الذاتية. وإنما يريد صاحبنا من المسلم أن يربى قواه النفسية تربية تخضع لإرادته الأرض وما فيها من القوى المادية والأدبية. وليس معنى ذلك أن يختار المسلم في ترقية مواهبه سبيلا غير سبيل الكتاب والسنة. وبما أن فلسفة الذاتية (خودي) من أهم أجزاء دعوة حكيم الشرق، عنى بها أهل الشرق والغرب، وترجم الدكتور نكلسن، أستاذ صاحبنا، ديوان أسرار (خودي) بالإنجليزية. وكذلك عنى بها جميع من أهل الغرب في مسلمي الهند وقادة أفكارهم. وهاك في ما يلي نبذة من أقوال الدكتور (تائيتس) في كتابه الإسلام الهندي، أكثر المعاصرين نفوذا وأبلغهم تأثيراً في إسلام الهنود، هو الشاعر الفلسفي السر محمد إقبال الذي أبلغ أبناء دينه رسالة كان لها أثر في نفوسهم، فإنه بين لهم إمكان التجديد الفردي وترقية القسم العالي من الشخصية بتقوية الإرادة وبتأدية اسمي ما يمكن للمرء أداؤه في هذه الحياة الدنيا حسب ما أمر به الله ورسوله.
وكذلك جاء في كتاب دين الإسلام للعالم النزيه الشهير الدكتور آرنكد، وهو من أعرف الناس بمسلمي الهند ورجالهم ما تعريبه، وبذلك يعرف القارئ ما في شعره من فلسفة:
ووجدت الحركة الجديدة في الهند لسانا فصيحا في شعر السر إقبال، أحد من درسوا الفلسفة