وجدير بالاستماع والإدكار، رأي صاحبنا في الحضارة الجديدة من هذه الكلمة، لأنه ممن قتل بحثا ونخل علومهم نخلا. قال (لله دره):
(تعجبكم هذه الحضارة الحديثة ويبهر عيونكم جمالها وما هي إلا كفصوص موهتها يد الصناع وجلتها فاختطف الأبصار لمعانها الكاذب.
والحكمة التي يفتخر بها حكماء الغرب ويتشدقون ببركتها ها هي قد عادت بأيديهم سيوفا تقطر دماً.
أترون أن هذه الحضارة يكتب لها الخلود بالحيل التي يدبرها لها ساستها؟ لعمر الحق، أن كل حضارة أسس بنيانها على التنافس في الأموال والتكالب على الشهوات سوف تنهار ويتبدد شمالها).
وفي هذا الدور من شعره كلمات أخرى مأثورة مشهورة في (طرابلس الغرب) و (فاطمة الشهيدة) و (الشكوى إلى الله) وغيرهما القصائد المنثورة في ديوانه (نداء الرحيل)(بانك درا) لا يتسع المقام للاقتطاف من أزهارها.
بلغ الشاعر في المرحلة الثالثة من حياته الشعرية قمة مجده في الأدب، رحل من محل قلوب المتأدبين يتنافس فيه المتنافسون، وذلك أن شعره في هذه المرحلة كان مرآة لعواطف الأمة وأمانيها، وصورة صادقة لنهضاتها السياسية والدبية، فوجدت الأمة في زفراته وتأوهاته، صدى لآلامها المتتابعة والنوائب المتوالية المنصبة على رؤوسها، وفي دعوته وعظاته، ضالتها المنشودة وأمنيتها. وهو بعد كل ذلك شاعر يهز مشاعر النفس، وخطيب يذكى في أعماق الفؤاد جذوة العمل والكفاح، وحكيم يقيهم مهالك الغرب وخزعبلاته، ويرشدهم إلى طريق الخير والسعادة.
قد أدى شاعرنا مهمة كبيرة من حياته في هذه المرحلة الشعرية، حيث أبلغ الأمة دعوته أو رسالته؛ لكنه ما وهبه اله هذا البيان والحكمة ليكون شاعر شعب دون شعب، وإنما أراد ربك أن يكون شاعر الأمة الإسلامية جمعاء، يدعوها إلى التكاتف والتعاضد، ويريهم سبل الحق والسلام، وينير لهم المحجة البيضاء في ظلمات المادية الحالكة. أما شعره في الأردية فما كان ليخترق حدود الهند، فاختار اللغة الفارسية واتخذها وسيلة لتعميم دعوته أولا،