والذين انتهى إليهم من الصحابة سند القراء هم عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن عباس والحسين بن علي وعبد الله بن عياش المخزومي وعبد الله بن السائب المخزومي وهم قرشيون، وعبد الله ابن مسعود من هذيل، وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وهم من الأنصار، وأبو موسى الأشعري من الأشعرين وهي قبيلة يمنية، وأبو هريرة من الأزد، ثم صارت مكة والمدينة والبصرة والكوفة ودمشق مقراً لشيوخ القراءات في صدر الإسلام.
فبمكة عبد الله بن كثير من القراء السبعة، ومحمد بم محيصين من الأربعة عشر؛ وبالمدينة نافع من السبعة، وأبو جعفر من العشرة؛ وبالكوفة عاصم بن أبي النجود، وحمزة، والكسائي من السبعة، وخلف من العشرة، وسليمان الأعش من الأربعة عشر وبالبصرة، أبو عمرو من السبعة، ويعقوب من العشرة، والحسن البصري واليزيدي من الأربعة عشر؛ وبدمشق عبد الله بن عامر من السبعة.
وقد اشتهر غير هؤلاء جماعة بالأمصار الخمسة السابقة كحميد بن قيس بمكة، وشيبة بن نصاح بالمدينة، ويحيى بن وثاب بالكوفة، وعبد الله بن أبي اسحق الحضري بالبصرة، وعطية ابن قيس الكلابي بالشام. إلا أن رواية قراءاتهم كاملة لم تدون كما دونت قراءات الأربعة عشر ولا يعرف عنهم إلا ما تناثر في كتب التفسير والتراجم؛ وما كان لهم من استاذية على بعض القراء المشهورين حيث اختاروا من قراءاتهم لأنفسهم ما وافق شروط الاختيار.
وأول من تتبع وجوه القراءات وتقصى الأنواع الشاذة فيها وبحث عن أسانيدها من صحيح ومصنوع هو هرون بن موسى القارئ المتوفى سنة ١٧٠هـ إلا أنه لم يؤلف باستقصائه كتابا. ثم جاء أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة ٢٢٤هـ فكان أول من استقصاها في كتاب، يقال إنه أحصى منها خمساً وعشرين قراءة مع السبع المشورة.
أما أول من اختار السبعة المشهورين في عهدنا هذا فهو أبو بكر بن مجاهد وذلك في أواخر القرن الثالث الهجري ومفتتح الرابع.
ولم يكن الكسائي معدوداً من السبعة قبل عهد المأمون؛ وقد كان من الأئمة قبل ابن مجاهد من أخرج حمزة والكسائي من السبعة وأدخل بدلا منهما أبا جعفر ويعقوب؛ فلما جاء الإمام الشاطبي اختار من اختارهم ابن مجاهد وألف منهم منظومته حرز الأماني المسماة الشاطبية