للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في حمأة الموبقات، فهل نستطيع أن نسمي أدبهم أدب قوة؟ كلا! ولا نستطيع أن نرفع قيمة هذا الأدب إذا ما قسناه بمقياس الفن الصادق، مقياس صدق التعبير عن الحياة؛ لأنه أدب يعبث بالحقائق، ويشوه الوقائع، ويكذب على الحياة والناس!. . . إن أندريه جيد لو لم يكن متأثراً في كتاباته بفيلسوف القوة نيتشه، لما تهيأ له أن يتناول قلمه ليكتب ما كتب في اليوميات!.

ونعود إلى تهمتي السفاهة وقلة الحياء لنرد عليهما بكلمات من نقد كروتشه للمذهب الأخلاقي في الفن ومنها يتبين مدى التناقض الذي وقع فيه الفيلسوف الإيطالي حين دافع عن حرية الفن في مكان، ثم عاد فهاجم الحرية في مكان آخر. . .

يقول كروتشه: (إن الفنان لا يمكن أن يوصم من الناحية الأخلاقية بأنه مذنب، ولا من الناحية الفلسفية بأنه مخطئ، حتى ولو كانت مادة فنه أخلاقاً منحطة، فهو - كفنان - لا يعمل ولا يفكر، ولكنه يعبر. . . إن فناً يتعلق بالأخلاق أو اللذة أو المنفعة، هو أخلاق أو لذة أو منفعة ولكن لن يكون فناً أبداً!).

ويقول: (لئن كانت الإدارة قوام الإنسان الفنان، فليست قوام الإنسان الفنان؛ ومتى كان الفن غير ناشئ عن الإدارة فهو في حل كذلك من كل تمييز أخلاقي. . . إنك لا تستطيع أن تحكم بأن فرانسسكا دانتي منافية للأخلاق، ولا أن جوردليا شكسبير أخلاقية، وما هما إلا لحنان من روحي دانتي وشكسبير ليس لهما إلا وظيفة فنية، إلا إذا استطعت أن تحكم على المربع بأنه أخلاقي وعلى المثلث بأنه لا أخلاقي!. . . إن من تفرعات المذهب الأخلاقي قولهم أن غاية الفن أن يوجه الناس نحو الخير، ويبث فيهم كره الشر، ويصلح من عاداتهم، ويقوم أخلاقهم، وإن على الفنانين أن يساهموا في تربية الجماهير وتقوية الروح القومي أو الحزبي في الشعب، أو إذاعة المثل الأعلى الذي يفرض على المرء أن يحيا حياة بسيطة جاهدة وما إلى ذلك. . . والحق أن هذه أمور لا يستطيع الفن أن يقوم بها أكثر مما تستطيع الهندسة ذلك. فهل عجز الهندسة هذا يجردها من حقها في الاحترام؟ فليت شعري لم يريدون إذن أن يجردوا الفن من مثل هذا الحق في مثل هذه الحال؟!).

هذه الكلمات التي يسوقها كروتشه ليدافع بها عن حرية الفن لا تنفق بحال وما ذهب إليه في نقده لأدب الاعترافات. . . ومع ذلك فلا يمكن أن نجد خيراً منها في مجال الدفاع عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>