المستحيل عليها أن تقوم بأي عمل آخر، فالتجأت إلى الدرج. إنه بالطبع يستطيع أن يهددها بأن يعتد عليها بالضرب. ولكنها كانت واثقة بأنه أن ينفذ تهديداته التي تصدر منه أثناء غضبه. فمهما فعلت فإنه لن يهجرها أبداً. لعل هذا هو السبب في أنها تزداد تهوراً.
كان الناس يصعدون ويهبطون ويمرون أمامها، فيلقون عليها نظرة إشفاق، أو يرنون إليها في دهشة، أو يهزون أكتافهم. وكانت تتظاهر بعدم رؤيتهم، ولا تتحرك، حتى لو اندفع شخص نحوها وتخطاها، ولطم إحدى يديها، لظلت ساكنة دون أن تتحرك. ولعلها كانت تود ذلك. قالوا لها إنه قد أزف الوقت لتعود إلى شقتها، فلم تجب، ولماذا تعود؟ وهل جلست هنا لتجيب على مثل هذه الأسئلة؟ وهل مكثت لتكون موضع شفقتهم؟. . كلا. . . أن شفقتهم لا تعنيها في شيء. لقد جلست هنا ليشاهدوها، وليعرفوا كيف أوصلها هو إلى هذه الحالة، وأي نوع من الحياة تحياها، وحتى يعرف هو الآخر أنهم قد شاهدوا وأدركوا حالها. نعم أن هذا هو ما ترغبه الآن. . . على الأقل. أن أول جزء من برنامج انتقامها. وكانت في كل مرة يتحدثون معها، تجيبهم بإطلاق العنان لعبراتها وهي تحاول أن تجد موضعاً صريحاً تسند عليه (رأسها المسكين) بشعره المهوش الذي لم تهتم حتى بترتيبه.
كان الشجار قد بدأ مبكراً، ولم تمر الساعة الثامنة إلا وكانت على الدرج. ولن تبرح مكانها فإنه لا يوجد ما يؤدي بها ال التفكير في مبارحته. ها هو ذا الظهر د أقبل، وسيعود هو بعد لحظات. ما الذي سيقوله لها؟ لعله سيحدث ما حدث في المرة السابقة، فيمر عليها دون أن يعيرها انتباهه. ولكنه لن يظل وحيداً في الشقة أنه لم يحتمل هذه الوحدة - آخر مرة - أكثر من ربع ساعة ثم عاد يبحث عنها. ومما لا شك فيه أن ذلك سيحدث ثانية.
لقد تركها والغضب يعصف به. وصفق الباب وهو يقسم أن هذه هي المرة الأخيرة. . . المرة الأخيرة. أنه لا يستطيع احتمال هذا المسلك الجنوني. ولكنه سيجد عندما يصل إلى مقر عمله من فسيح ما يسمح له بالهدوء والتفكير في تؤدة.
وفتح باب الفناء، وميزت وقع أقدامه. ولم تتحرك عضلة من عضلات جسمها، وانقلب كل شيء فيها ساكناً، وقد تركز كل كيانها في الاستماع إلى وقع خطواته، وبدت كأنها لا تشعر بما يدور حولها. واقتربت الخطوات. سرعان ما ستراه. ولكنها ظلت دون حراك وقد أرتكن رأسها على سور الدرج. وأغمضت عينيها نصف إغماضه وهي تنتظر. وكاد أن