طرقات موقعة على الأوزان الموسيقية ينشد الموشحات والأهازيج على حسب الإيقاع إنشاداً يفتن به الألباب ويخلب عقول أهل السوق، فيتكونون حوله يرقصون كأنهم سكارى لعبت إبنة الحان بعقولهم، فيصفقون ويستديرون على أنفسهم بدون شعور من شدة النشوة والطرب، مما جعلت هذه المواهب القلوب على محبته وجلبت إليه الرزق فذاع أسمه في المدينة وتحدث عنه الخاص من؟؟ والعام.
وكانت تقام له حفلات السمر لدى صحبه وعاشقي فنه في كبريلت الدور، يمتد فيها وصحبه المجاورات والروايات الساذجة المؤلفة من أربعة أشخاص أو خمسة، تعرض فيها فصولاً بالمفاضلة ما بين الكسلان والمجتهد، والتاجر والعامل، والعالم والجاهل، ولما طال الأمد عليه وهو يدب في هذه الصناعة دبيب الطفل الزاحف الذي يحبو على يديه ورجليه ويتحفز للوثوب خطر بباله أن يأخذ دور عنترة ويجعل دور عبلة لصديق من أصدقائه مقلداً في ذلك أستاذه الأول علي حبيب الذي كان يتخذ من الصور الخيالية أشخاصاً فيكلمهم خلف الشاشة ويحاورهم ويداورهم كما مر معنا في البحث الماضي، فنجح في هذا الباب نجاحاً كتب له فيه الظفر، وفاق فيه أستاذه. إذ أن ذاك كان يحاور صوراً خيالية، وهذا يحاور ويمثل مع أشخاص حقيقيين.
وفي عهد ولاية المرحوم الوالي (صبحي باشا) حضرت إلى دمشق من فرنسا فرقة تمثيلية ومثلت في مدرسة (العزارية) روايات اجتماعية وأخلاقية في باب توما، وهي أقدم مدرسة لدينا كانت تقوم ولا تزال قائمة حتى الآن بتعليم اللغة الفرنسية، وكان القباني قد شهد هذه الروايات جميعها وأخذ فكرة عن المسرح والتمثيل والممثلين وتوزيع الأدوار (والمكياج)، فتمم بذلك ما كان ينقصه من فكرة التمثيل والمسرح، وأمسى أكبر همه أن يؤسس في دمشق مسرحاً، ويؤلف فرقة، بيد أن الذي عاقه عن المضي في سبيله، قضية ظهور الفتيات على المسرح، وما يعتور هذه الفكرة من طرق شائكة وصعاب وعقبات.
فالمرأة التي كانت حبيسة بيتها. وكان لا يسمح لها في الخروج منه سوى مرة واحدة في العمر تلك هي المرة التي تخرج فيها من البيت مزفوفة إلى بيت بعلها، ومرة واحدة بعد الموت، تلك هي المرة التي تخرج فيها محمولة على الأعناق إلى مقرها الأخير. . . فكيف تستطيع أن تظهر على المسرح وحالتها حالتها، ومحبسها محبسها، أن دون ذلك خرط الفتاد