افتقاده. كم هي حافلة تلك الأيام يخطو فيها الشاب خطواته ليصبح رباً بعد أن كان فرداً، ويأخذ إلى فلكه كوكباً ليدورا معاً وكان يدور حول نفسه فقط. . . وكان لفريد داره (فيلا) صغيرة راح يعدل فيها ويهيئ كي تصبح العش الجميل له وللألف الحبيب
وأخذت عزيزة تتهيأ لتقلد وظيفتها وأداء رسالتها، رسالة الحب وما يؤدي إليه من صنع خيوط جديدة في نسيج البشرية.
وجاء فريد ذات يوم ليتفق مع البك والعروس على يوم الزفاف وحدده، وانصرف الشاب، وشبعه البك وهو يشد يده في تهنئته دافئة ودعابة لطيفة.
والتفت البك إلى حفيدته العزيزة ليهنئ ويداعب، فلم يرعه منها إلا نظرة إليه بعينيها الفاتنتين تترقرق فيها دمعتان كقطرتي ندى على نرجسيتين.
قال الشيخ مندهشاً: ما بك يا ابنتي؟!. هل تبكين؟!
قالت: يا جدي لا أدري كيف أبعد عنك وأتركك تعيش وحدك!
فأحس الشيخ برجفة نفسانية، وكاد أول وهلة أن يشاطر الفتاة الجزع لكن لم يلبث أن تجلد وربت كتف عزيزته وهو يقول: يا أبنتي لن تكوني بعيدة. أما عن عيشي وحدي فلا تنسي أني جندي، والاخشيشان والاستكفاء الذاتي بعض ما عرفته وألفته، ومهما تقدمت بس السن فلن أضيق بشيء من ذلك ولعلي أتوق إليه.
هذا ما قاله لها. أما ما دار بخاطره فهو: ترى ماذا يمنع من أن تعيش وحيدتي العزيزة هذه معي هنا هي وفتاها بعد زواجهما حتى أموت؟!. لم لا أخاطب فريداً في هذا فقد يرضى به؟. . لكن لا. لقد كنت يوماً شاباً خاطباً مثله، ولم يكن يخطر ببالي إذ ذلك، ولي بيت أن أعيش بزوجتي مع أهلها في بيتهم، ولو طلب إلى ذلك ما كنت أفعله إلا كارهاً. . كلا، ليس أحب إلى عروسين صغيرين من عش خالص لهما، يمرحان فيه على هواهما، ويضحكان بطلاقة، ويتحابان بلا تحرج، ويختلفان إذ لزم الأمر بغير كبت. حرام علي أن أنشد هناتي على حساب شيء من هنائهما. كلا، لن أثقل عليهما بظلي في شيخوختي مثقال ذرة.
وجاءته عزيزة في يوم آخر متهللة الوجه، تجر وراءها فريداً من كمه، قالت: يا جدي، لقد أقنعت فريداً بأن يترك فلته ونعيش معك هنا في بيتنا. . . ورضى.