فإذا زخرحت هي الأخرى من سماء حياته ففي أي ديجور بعدها سيعيش؟ ليس في الوجود أرق نغماً من صوتها، ولا أعذب لفظاً ونطقاً وأظرف معنى من حديثها، والحوار معها في دروسها المدرسية متعة عقله وروحه وعود جديد إلى عهد الصبا الجميل، والنزهة معها سبح مع ملاك في فراديس، ووجودها في البيت يجعل فقره الموحش روضة من جنات النعيم. . أي بيت يكون هذا بغير وجودها، حيث لا رفقة تبقى لذلك الشيخ غير الخدم والشيخوخة والأوصاب؟ رفقة أشباح ودميمة في قاعات مظلمة بدار عذاب!
لكن هل شيء من هذا يهم. وهل لشيء مما يتعلق بذاته الغاربة تلقاء ما يتعلق بذات (عزيزة) أي وزن، وكيف لعاطفة من الحنان والحب والواجب؟ أن محيط نفسه الزاخر تلغط جميع أمواجه هاتفة بتلك المنية وصوت الأنانية ضئيل هزيل في موضع سحيق بقاع المحيط لا يصل إلى أذنه ولا يستبين.
ومضت سنون، وأنهت عزيزة دراستها، واستوى قدمها، واكتملت أنوثتها، تلك الهمسة الحقية التي تسرها الطبيعة في نواة جسم الأنثى فإذا حان الحين نبت السر متلوياً في قاعة هيفاء لدنة كغصن البان، وحقاق على الصدر مرمرية في استدارة الرمان، والمفاتن الأخرى التي لا يتغنى فيها بيان عن عيان. . لكن الأنوثة وأن كانت واحدة إلا أنها تختلف كاختلاف لون الورود وعطرها. لقد نمت عزيزة إلى فتاة ممشوقة نحيلة القوام، صامتة جادة حيية، في بياض بشرتها شفافية لطيفة عاجية، وجهها حلو القسمات صغير مستدير، وعيناها جوهرتان أصفى من الندى أشربتا بلون عنبري عميق.
ولم يكن العريس الحبيب عليها بعزيز ولا منها ببعيد. . . إنه شاب وسيم يكبرها ببضع سنين، يشغل وظيفة طيبة في مؤسسة مصرية كبيرة، يمت إلى عزيزة بقربى من ناحية الجدة، ويمت إليها بما هو أقري، تماثل في العقلية والطبع الهادئ الجاد الرزين، وأسمه (فريد).
لقد تقدم لخطبتها غيره كثيرون، لكن ما منهم أرتاح إليه البك الارتياح كله لأسباب أرتآها، أو هفت إليه عزيزة بكامل قلبها لأسباب لا تعرفها، إلا فريد فقد حل من نفسيهما معاً في المكين.
وتمت خطبة عزيزة لفريد، وراح يعد العدة لاستكمال نصفه الذي صحا ذات يوم على