للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأسلحة الأخرى من استعداد طويل ووقت بعيد، ففي العرب اليوم فئة من الساسة المحنكين الذين يفهمون التيارات السياسية العالمية وما يحمل في طواياها من مغازهم قادرون إذا أخلصوا أن يوجهوا شعوبهم معهم إلى الناحية التي يجدون فيها الخير لهم.

وهنا أستطيع أن أوضح لك الخطأ الكبير الذي أرتكبه الدكتور زريق حين تحدث عن أحد أركان المعالجة القريبة وهو (المساومة)، وحين شرح لقرائه معنى كلمة (تقدمي) التي وصف بها الكيان العربي الذي يريده. قال الدكتور أن الخطر الصهيوني لا يرده إلا كيان عربي قومي متحد تقدمي. وهو حين تستعمل هذه الصفة (تقدمي) يقول (أن قوميين إذا أرادوا أن يحاربوا الشيوعية حقاً فسبيلهم الوحيد أن تكون قوميتهم مجارية لقوى الزمان (ص٤٨) فمحاربة الشيوعية عند الدكتور إذن إرادة صميمة يدل الناس على السبيل الوحيد إليها. ولكنه حين تحدث عن أركان الجهاد العربي لحفظ فلسطين تكلم عن استعداد العرب للمساومة مع الدول الأخرى على أساس تبادل المصالح والمنافع. وهذا حق في نظرنا. فإذا أراد أن يبسط معنا للقارئ قال: (لا نحالف مثلاً الدول الديمقراطية على الشيوعية ونضطهد الأحزاب اليسارية في بلادنا لوجه الله وجرياً مع الصداقة أو لمجرد التخاذل) أن الاستعداد للمساومة على الحقوق المتبادلة عنصرها من عناصر الجهاد العربي كما ذكرنا والعرب يفتقرون إلى استخدامه كل الافتقار، والعالم الآن منقسم إلى قسمين فقط: الديمقراطية والشيوعية. فإذا نفى الدكتور قابلية المساومة مع الشيوعية لأننا يجب أن نحاربها كما سبق، فلم يبقى معنا من طرف نساومه إلا الديمقراطية، فإذا أدركت الديمقراطية أن المساومة لا تكون إلا معها بكل معنى المساومة وتعنتت الديمقراطية معنا فأخذت منا دون أن نأخذ منها، وهذا هو السر الأكبر للضعف في موضوع فلسطين في الوقت الحاضر، والدكتور لا يخلصنا منه، وأني أثق أن المؤلف فعل ذلك عن نية حسنة.

وبعد فقد قال الدكتور في مقدمة كتابه (لست أدعي أني في هذه الدراسة قد (اخترعت البارود) وإنما هي محاولة لتصفية تفكيري في هذه الأزمة الخانقة). والحق أن الكتاب لا بد وأن يكون قد أحدث صفاء في التفكير عند القراء الذين طالعوه في الوقت الذي يجب أن يطالعوه فيه. والفضل في ذلك يعود إلى المؤلف الكريم.

١ - بناء دولة - مصر محمد علي

<<  <  ج:
ص:  >  >>