أهله ورود الماء، فأصاب حاميته شدة وضيق، ومضت الثانية، وهي فرقة فدائية، إلى عيذاب فأحرقوا في البحر ستة عشر مركباً، وأخذوا في البر قافلة كبيرة كانت قادمة من قوص إلى عيذاب وقتلوا جميع أفرادها، واستولوا على مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على الساحل كانت معدة ليرة مكة والمدينة، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع بمثلها في الإسلام، فقد فاجئوا الناس على حين غفلة فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجياً لا تاجراً ولا محارباً. وأرادت الحملة أن تقطع طريق الحج، فقد كانت الغزوة في شهر شوال سنة ٥٧٨، وأن تمضي إلى المدينة المنورة لتنبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنقل جسده الشريف إلى بلادها، وتدفنه هناك، ولا تمكن المسلمين من زيارته إلا بجعل. فسارت الفرقة إلى بلاد الحجاز، وجاء الخبر إلى مصر، وبها الملك العادل نائباً عن أخيه صلاح الدين، فأمر قائد الأسطول وهو الحاجب لؤلؤ أن تبع هؤلاء الغزاة، فأخذ الأسطول وانقض على محاصري أبلة انقضاض العقاب وقاتلتهم فقتل بعضهم، وأسر الباقي.
ثم مضى إلى عيذاب وأخذ يتتبع مراكب العدو حتى عثر عليها بعد أيام، فأوقع بها، وأطلق المأسورين من التجار فيها، ورد عليهم ما أخذ منهم.
ورأى العدو قد أوغلوا في طريق المدينة حتى لم يبق بينهم وبينها إلا مسافة يوم، فمضى خلفهم على حيل أخذها من الأعراب وحاصرهم هناك في شعب لا ماء فيه، حتى استسلموا، فقتل أكثرهم وأرسل بعضهم إلى منى ليقتلوا بها عقوبة لمن رام إخافة حرم الله تعالى وحرم رسوله، وعاد بالباقين إلى مصر.
فكان لدخولهم يوم مشهود، وطيف بهم في القاهرة والإسكندرية، ورآهم ابن جبير بالإسكندرية وقد تجمع الناس حولهم، عندما أدخلوا البلد راكبين على الجمال، ووجوههم إلى أذنابها، وحولهم الطبول والأبواق.
وأرسل صلاح الدين إلى أخيه العادل يثني على أسير البحر ويغبطه، ويأمل بقتل أسراه، ويقول له على لسان القاضي الفاضل:. . . وقد غبطناه بأجر جهاده، ونجح اجتهاده، ركب السبيلين براً وبحراً، وامتطى السابقين مركباً وظهراً، وخطا فأوسع الخطو، وغزا فانجح الغزو، وحبذا العنان الذي في هذه الغزوة أطلق، والمال الذي في هذه الكرة أنفق؛ وهؤلاء