هذا غيض من فيض وبرض من عد وقليل من كثير من أفكاره وآرائه الحكيمة المبثوثة في ثنايا دواوين شعره. ومما يجدر بالإشارة إليه ثانياً أن هذه الأفكار والآراء مقتبسة من ديوانه (ضرب كليم) الذي نشر قبل نشوب الحرب العالمية الثانية ببضعة أعوام.
- ٦ -
سياسة:
لم يكن صاحبنا في شبابه من رجال السياسة، ولم يشاطر بني جلدته سراء الجهاد وضراءه، وإنما اكتفى بالقريض الحافز للأمة والنافخ فيهم روح الحياة، كما أعرب عنه بنفسه في بيت له: إن إقبالاً (مبلغ) كبير تأخذ أحاديثه بالألباب.
لكنه يغزو بالأقوال فقط ولم يتيسر له أن يكون عاملاً محايداً.
وبقى شاعرنا كذلك منقطعاً عن الحياة السياسية مرمياً من قومه بالجمود والازورار عن الجد والكفاح، إلا إنه ترشح سنة ١٩٣٦ (للمجلس التشريعي) الذي قال فيه قبل ذلك:
(مجالس التشريع والإصلاح والحقوق
(كلها أدوية حلوة المذاق اخترعها الطب الغربي لتنويم أهل الشرق.
وأول ما عرفنا من مشاركته في السياسة العملية سنة ١٩٣٠ حينما راس المؤتمر السنوي لعصبة المسلمين مؤتمر المائدة المستديرة منعقد في (لندن). وإنما انعقد مؤتمر عصبة المسلمين وقتئذ ليبين لأعضاء المائدة المستديرة مطالب المسلمين، ويؤكد استمساكهم بها. فانتخب محمد إقبال رئيساً للمؤتمر، لغياب الزعماء السياسيين وسفرهم إلى لندن بمناسبة انعقاد المؤتمر وحضور جلساته، فخطب خطبته الرئيسية التي أحدثت ضجة عظيمة في الهند والدوائر السياسية في (لندن)؛ والتي تناولتها صحف الهنادك والوطنيين بالنقد اللاذع وأعادت وبدأت فيها. وذلك أن صاحبنا بين فيها نظرية جديدة للسياسة الإسلامية وهي أن تتكون مملكة إسلامية مؤلفة من ولاية كشمير ومقاطعات بنجاب والحدود الغربية الشمالية والسند في ضمن المملكة الهندية الكبرى، لأن مسلمي الهند - في رأي صاحبنا - أمة مستقلة مغايرة للهنادك في الدين والثقافة واللغة والأوضاع والتقاليد.
وهذه هي النظرية التي جعلها بعض الشبان المقيمين في (لندن) أساساً لحركة (باكستان).