للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم تبدلت الأحوال وتقلبت الظروف إلى أن جعلت عصبة المسلمين تطالب بتقسيم الهند، وتأسيس مملكة مستقلة باسم (باكستان) وقد تحققت هذه الأمنية فعلاً. ولست في هذا المقام بصدد البحث في السياسة الهندية وقضاياها المتشعبة، فإن لها موضعاً آخر من البحث والكلام. والذي أردت ذكره في هذا الموضع أن صاحبنا هو الذي كان أبا عذرة هذه النظرية الجديدة وأظهرها لأول مرة في خطبة عامة للصحف، وإن كان يحلم بأمثالها كثير من السياسيين المسلمين. والمسألة أشهر من نار على علم. ومما لابد من ذكره في هذا الصدد أن خطبته هذه غيرت مجرى مؤتمر الدائرة المستديرة، حيث كان الأعضاء مكبين على إيجاد حل للمشكلة الطائفية، فأبى أعضاء الهنادك قبول مطالب المسلمين وتوجسوا منها شراً. وقال الدكتور (م. ر. جيكار) بصراحة: (أنا قد اطلعنا الآن على ما تضمره أفئدة المسلمين، ونشكر للدكتور إقبال صراحته وصدق لهجته). وعلى كل، فإن هذه الخطبة كانت فاتحة باب جديد في السياسة الهندية. وقد صدق الدكتور ذاكر حسين، عميد الجامعة الملية الإسلامية، حيث قال لصاحبنا، طالباً إليه أن يكف عن الوقوع في حمأة السياسة:

(لقد خطبت خطبة تكفي المسلمين لمائة سنة).

ثم ظل صاحبنا يعمل بضع سنين مع الذين كانوا يناوئون الحركات الوطنية إلا أنه لم يقدر أن يسايرهم زمناً طويلاً، لأن أولئك كانوا يعارضون الحركة، حباً في الاستعمار والتطفل على مائدته. وأما شاعرنا فكان يناوئها بغضاً في الهنادك ورجال سياستهم، فأعتزل جميع الحركات السياسية، إلا أنه كان يعطف على عصبة المسلمين ويؤيد قضيتها بنفوذه وتأثيره البليغ في الشبيبة الناشئة. ومن أعماله التي تذكر وتشكر موقفه الجليل في الآونة الأخيرة من حياته بازاء القاديانيين. فإنه حمل عليهم حملات شعواء قصمت ظهرهم في معقلهم (بنجاب)، ولولا مساعدة الحكومة لهم لانعدموا، لأن أئمة الكفر منهم كانوا يدعون من قبل، أن المشايخ (والمولوبين) هم الذين يكفروننا لتعنتهم وجمودهم. ولما آن صوب ملك شعراء آسيات كما كانت تدعوه دائماً جريدة الاحمدية اللاهورية سهام محاضراته الفلسفية إلى نحورهم، سقط في أيديهم وجعلوا يسبونه ويصبون عليه وابل الملام والشتم، وبدءوا ينقصون من شعر الرجل الذي كانت تلهج ألسنتهم بالثناء عليه صباح مساء، ولقبته مراراً صحيفتهم الأسبوعية الثائرة بـ اللقب الذي لقبته به أولا الشاعرة الهندية الطائرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>